الإعلام حين يلبس قناع الزيف
نستعرض الآن بعض الأقنعة التي يستعملها الإعلام في تضليل العقول والتي قد ينجح في استعمالها إلى حد ما حسب الظروف والأحوال لكل منطقة ومدى وعي سكانها:
أولاً: لفت الانتباه:
يتولى الاعلام بوسائله المختلفة تسليط الضوء على جانب من الحدث أو الأحداث وترك باقي الجوانب مظلمة، وهو بذلك يلفت النظر إلى الرسالة الإعلامية التي يراد إيصالها إلى جمهور الرأي العام حتى يتم إيهام الناس بأن ما تردده وسائل الإعلام هو الحاصل فعلاً وأن شيئاً غيره لم يحصل، أو أن ما تم نشره هو المهم وما عداه لا قيمة له، وذلك في محاولة لطمس الحقائق التي يؤدي نشرها إلى عكس ما يتمنى المشرفون على الإعلام والذين يمثلون وجهة النظر التي أوصى بها رؤساؤهم من الزعماء والمسؤولين.
ثانياً: صرف النظر:
بعكس الاسلوب السابق يقوم الإعلام بحملة منسقة لصرف الأنظار عن أمر استحوذ على عقول جمهور الرأي العام، ونال اهتمام الجميع، وقد يرى الحكام في ذلك خطورة على مصالحهم وزعامتهم لذلك يلجأون إلى تشتيت اهتمام الجمهور مقدمة لصرفه عن اهتماماته التي يراد له أن ينساها وأن لا يفكر بها لأنها تفتح له درباً نحو الانعتاق والتغيير الجذري على الاسس الصحيحة.
ثالثاً: تجهيل المصدر:
ويكون ذلك بهدف الكذب والدس، لأن الخبر المعلن هو من تأليف الجهات الرسمية المشرفة على وسيلة الاعلام، وإمعاناً منها في التضليل فإنها تنسب الخبر إلى "مصدر مطلع" أو "مصدر مسؤول" أو "ديبلوماسي غربي" أو صرح به "مصدر موثوق" ويتم هذا لإعطاء الخبر أبعاداً مهمة، وكذلك لإبعاد الشبهة عن الجهة المشرفة على الوسيلة الإعلامية.
رابعاً: التكرار:
ومن الأساليب التي يتبعها الإعلام لتركيز بعض المفاهيم لدى الرأي العام أسلوب الإعادة والتكرار، وهذا الأسلوب مخالف لأسلوب الإقناع الذي يستعمله المفكرون لتركيز أفكارهم في المجتمع من خلال تغيير قناعات الرأي العام بالحجة والإقناع الفكري، أما أسلوب التكرار والملاحقة فهو أسلوب دعائي يستخدم في الترويج للسلع والمنتجات ولا يخاطب العقل وإنما يخاطب العاطفة والغريزة، من هنا تكمن خطورته في التضليل والخداع، فأحياناً نرى ونسمع أجهزة إعلام تكرر بث ندوة أو برنامج عدة مرات، أو تكرر خبراً في كل نشرات الأخبار وعلى مدى يومين متتاليين، وليس ذلك لأجل تبليغ الرسالة الإعلامية لمن فاتهم سماعها أو قراءتها أو مشاهدتها ولكن من أجل تحقيق المزيد من التأثير على الجمهور بإلحاح شديد.
خامساً: قلب الحقائق أو ذكر نصف الحقيقة:
وهذا ما يحصل في معظم وسائل الإعلام في العالم الإسلامي فيندر أن تذكر وسائل الإعلام حقائق صادقة بل إنها تقلب الحقائق وتكذب وتلون وفي أحسن الأحوال فإنها تذكر نصف الحقيقة وتخفي النصف الآخر لأنه يتعارض مع الهدف الذي يسعى إليه الإعلام والمشرفون عليه، حتى أن الخبر الواحد يصاغ بوجوه شتى في وسائل الاعلامية مختلفة داخل البلد الواحد وذلك حسب سياسة كل جريدة أو مجلة وحسب سياسة الجهة التي تخدمها تلك الوسيلة الإعلامية، وإذا طبقنا ذلك على أخبار ثورة أطفال المسلمين في فلسطين ضد اليهود نرى أن كل دولة تعلن عنها بصورة مغايرة للأخرى ولكن أكثرهم يسمونها انتفاضة، لأنهم لا يريدون اعطائهم إسم ثورة لإن المنظمات التي تنضوي تحت مظلة منظمة التحرير هي في نظرهم الثورة، وهناك أجهزة إعلام تورد اخبار ثورة مجاهدي الحجارة في اول النشرة الإخبارية، وأخرى توردها في آخر النشرة، ومنها ما يفتتح الأخبار بهذه العبارة "قتلت امرأة فلسطينية في مدينة ....." أي يركز على عملية القتل، ومنها ما يفتتح الأخبار بعبارة "تواصلت الانتفاضة في الأراضي المحتلة ...." دون عناء البحث في التفاصيل وذلك من باب رفع العتب، ومنها ما يصف مجاهدي الحجارة بـ"الانتفاضة (العربية) تدخل شهرها الرابع وقتل اليوم شاب (عربي) في قرية ...." أي أن أصحاب الثورة هم عرب، وقد تجاهلت وسائل الإعلام ذكر الحقيقة كما هي، وهي أن ما يحصل هو ثورة وليس انتفاضة وأن الصبغة الإسلامية هي الطاغية وليس للعروبة فيها إلا اللغة، وأن المساجد هي غرف العمليات لها، وإن هتاف الله أكبر هو نشيد المجاهدين، وأن محاولة ركوب الموجة سائرة على قدم وساق لخدمة الأطراف العربية الرسمية التي تسير في ركاب دول الغرب المتصارعة على العالم الإسلامي.
أما عن ذكر نصف الحقيقة فيقول الإعلام "وصل المبعوث الأمريكي إلى المنطقة بادئاً جولة تستغرق بضعة ايام" "قدمت وزارة فرعون باشا استقالتها وسيكلف الرئيس شخصية أخرى بتشكيل وزارة جديدة" فالإعلام يذكر خبراً صحيحاً لكنه غير مكتمل، ففي المثال الأول لم يذكر لماذا جاء المبعوث لأن في كشف السبب ما يربك النظام ويبرز تبعيته، وفي الخبر الثاني لم يذكر الاعلام لما أقيلت الحكومة لأن في ذلك كشفاً للاهتراء الذي يعانيه النظام ولا يريد أن يطلع الناس عليه.
سادساً: تسليط الأضواء:
ويكون ذلك على حدث معين أو شخص ما وذلك لأهداف سياسية، وأحياناً ترافق الأضواء شخصاً معيناً منذ مراحل حياته الأولى، وتنتقل معه من منصب لآخر، وكأن لسان حال النظام يقول: هذا هو زعيمكم وهو عبقري زمانه فالأوسمة تملأ صدره، أسلسوا له الانقياد، ولا ترضوا عنه بديلاً. ومثلما يركز الإعلام المحلي على إبراز أشخاص معينين كذلك يركز الإعلام الغربي على إبراز عملائه المحليين من الزعماء، وحملة أفكاره من حراس الثقافة الغربية والفكر الغربي، وكثيراً ما تنطلي هذه الألاعيب على قسم من الناس ويصدقون أن هذا الكاتب أو ذلك الصحافي أو السياسي فلاناً هم من صنف العباقرة ولا يشق لهم غبار وأنه لا يجاريهم ولا يدانيهم أحد، ويكون تسليط الأضواء على شخص ما وتسخير أجهزة الإعلام لإبراز تنقلاته وأخباره مع كونها تافهة هو من ضمن السياسة التي يتبعها الغرب المستعمر لإبراز عملائه والمتعاونين معه كزعماء لأهل البلاد التي يقطنون فيها، ولا شك أن الإعلام يفعل فعله في إبراز الزعيم العميل بعد أن لم يكن يسمع به أحد، وقد يكون (التلميع) وتسليط الأضواء على العميل هو عملاً سابقاً لبروزه وقد يكون لاحقاً، أي بعد بزوغ نجمه لكن الإعلام يبغي إيصاله إلى الحجم المناسب الذي أوصى به موجهو الاعلام. أما من لا يرضى عنه الغرب فإنه يتجاهله إعلامياً ويوصى أجهزة الإعلام المحلية التابعة له بطمس أخباره، وهكذا يستعمل الإبراز أو الطمس حسب العمالة والإخلاص.
أما عن التركيز على حدث معين وتسليط الضوء عليه بإبرازه للناس فلأهداف عدة، فإذا كان الحدث لصالح النظام فإن تسليط الضوء عليه يأتي من النظام وأجهزة إعلامية، أما إذا كان الحدث ضد النظام فإن تسليط الضوء عليه يأتي من معارضيه المحليين والدوليين بهدف إبراز عيوبه مقدمة لهدمه وإحلال غيره محله، وأمثلة تسليط الأضواء كثيرة وتحدث يومياً على صعيد الدويلات القائمة في العالم الإسلامي أو على صعيد الدول الكبرى الطامعة في العالم الإسلامي، حتى يكاد المرء يشك في كل شخص أو حدث يضعونه في دائرة الضوء وهو معذور في هذه الريبة.
سابعاً: التعتيم الإعلامي:
وهذا الأمر على النقيض من تسليط الأضواء، فإذا أحس النظام من الانظمة بخطورة فكرة، أو شخص، أو جهة، أو حزب، أو حدث على أوضاع الحكم، فإنه يلجأ إلى فرض ستار كثيف من التعتيم عليه على الرغم من أن الحدث قد يكون حديث الساعة، وأن الفكر قد يكون هو الطاغي، وأن الحزب قد يكون هو شغل النظام الشاغل في دوائر الأمن والحدود والجوازات والسجون وعلى المرافئ البحرية والجوية، ويستمر النظام في إمعانه بالتعتيم ويحاسب أي وسيلة إعلامية تكسر ذلك الحظر الإعلامي وتذكر إسم الجهة المحظورة ولو بكلمة سوء، والتعتيم كذلك منه المحلي الذي يمارس في دويلات الكرتون، ومنه الدولي الذي تمارسه الدول المستعمرة الكافرة مباشرة، أو مداورة من خلال الأنظمة الغارقة في التبعية، سأورد مثالاً لا زلت أذكره، فقد توفي عالم مسلم قبل أحد عشر عاماً وذهب ذووه إلى الصحف اليومية لنشر نبأ وفاته، ولكن الصحف رفضت حتى نشر بنأ نعيه، هكذا أمرت من قبل الرقيب المحلي والرقيب القابع في بلاد الضباب الذي يشرف بواسطة نظام التحكم عن بعد.
ثامناً: تعطيل العقول:
الاستخفاف بعقول البشر هو سمة الاعلام الذي نتحدث عنه، بحيث يتعامل مع الناس وكأنهم أطفال من السهل الكذب عليهم وتضليلهم، وغالباً ما تكون الأخبار مثل حكايات ألف ليلة وليلة، وكأنها شريط (كاسيت) مسجل منذ الحرب العالمية الثانية: نصف النشرة للتشريفات، والنصف الآخر قص شريط الافتتاح وأخبار الرياضة والنشرة الجوية وأحياناً الصيدليات المناوبة وتصبحون على خير. وأحياناً ينشر الاعلام كذباً مكشوفاً لأنه اوهى من خيوط العنكبوت ومع ذلك تستمر اللعبة، ولا يتوقف الاعلام عند هذا الحد بل يتعداه ليوجه دعوة يقول فيها لا تستعملوا هذا العقل الذي وهبكم إياه الله سبحانه وتعالى، ولا تفكروا به عطلوه والإعلام يتولى التفكير عنكم، في هذا المجال يقول مؤسس جريدة نيويورك تايمز "أعط أي إنسان معلومات صحيحة ثم اتركه وشأنه، سيظل معرضاً للخطأ في رأيه، ربما لبعض الوقت، ولكن فرصة الصواب سوف تظل في يده إلى الابد، إحجب المعلومات عن أي إنسان أو قدمها إليه مشوهة أو ناقصة أو محشوة بالدعابة والزيف إذن فقد دمرت جهاز تفكيره، ونزلت به إلى ما دون مستوى الانسان.
تاسعاً: شحن النفوس:
هنالك طاقات معينة لدى البشر، وهذه الطاقات لا تتفجر إلا إذا استعمل صاعق لتفجيرها، وهذا الصاعق قد يكون التمسك بالدين، أو التحيز للطائفة، أو التعصب للقوم والعشيرة، أو الانتماء العشائري، أو المذهبية السياسية، وهذه الصواعق لا تخفى على الحاكم وأعوانه من الإعلاميين، فإذا أراد الحاكم تنفيذ مخطط طلب منه تنفيذه فإنه يلجأ إلى أحد هذه الصواعق ليعبئ جمهور الرأي العام ويشحن نفوسهم بالضرب على الوتر الذي تتردد أصداؤه أكثر، ويحفز الطاقات بشكل أقوى، وكثيرة هي الحروب التي أشعلوها بين المسلمين عن طريق استغلال الغرائز والعصبية الوطنية والقومية، والمذهبية السياسية، ونجح معهم استعمال هذا السلاح، ونقله بعضهم عن البعض الآخر، حتى أصبح سلاح الجميع، والكل يستعمله لأنهم تلاميذ الميكيافللية، فما أن تصدر إشارة البدء لطبول الإعلام وأبواقه حتى تبدأ الأهازيج المثيرة للفتنة العمياء وتصبح الأجواء مهيأة لأن يقتل الأخ أخاه بكل بساطة وبدون ان يرف له جفن، لأن العقل تعطل وبدأت الغرائز الحيوانية تفعل فعلها، وبدأ محركو الفتنة يقطفون ثمارها.
عاشراً: ترويج الشائعات:
في الغالب يكون وراء ترويج الشائعة أهداف سياسية، اما مطلقوها فإما ان يكونوا من رجال الحكم او معارضي ذلك الحكم، وما اسهل ان تنتشر الشائعة في كل انحاء البلد الواحد وفي ريفه وحضره، واحيانا يكون ضحيتها أغلبية السكان صغيرهم وكبيرهم، المتعلم والامي، وأحياناً أخرى يكون ضحيتها بعض فئات المجتمع مثل النساء والأولاد وغير المتعلمين كما تشير بعض الإحصاءات، أما عن الأجواء التي تنجح فيها الشائعة فهي الأجواء غير المستقرة مثل الثورات والانقلابات، والأزمات الاقتصادية، والحروب والكوارث الطبيعية، وهنالك بعض الظروف التي تعزز وتسرع انتشار الشائعات منها وجود حجر إعلامي، وانعدام الثقة في السلطة أو في جهة تقوم بدور شبه دورها، وكمثال على انعدام الثقة في السلطة ما حصل عقب مجازر صبرا وشاتيلا عام 1982 عقب غزو اسرائيل للبنان ودخولها لمدينة بيروت إذ سرت شائعة بأن الميليشيات التي ارتكبت المجزرة عادت وشوهدت بلباسها وشعاراتها العسكرية، فما كان من سكان المخيمين والمناطق المجاورة إلا أن فروا باتجاه مناطق ظنوها أكثر أمناً، وليس غريباً أن يحصل ذلك من قبل نساء وشيوخ فقدوا الثقة بكل الناس لأن أمريكا تعهدت لهم على لسان فيليب حبيب بأنها ستحميهم فكان أن حصل العكس وكُشف خداع وكذب فيليب حبيب وأمريكا، والأغرب من ذلك هو ان الإشاعة نفسها تكررت بعد أسابيع من الاولى ونجحت، وتكررت بعد بضعة أشهر بنحاج منقطع النظير حيث خرجت جماهير من عدة مناطق مجاورة لمناطق الإشاعتين السابقتين، والملفت أن جمهور الناس صدق الإشاعة في المرتين الأخيرتين وهو تحت حماية ثلاثة جيوش من قوات حلف الأطلسي (فرنسا، إيطاليا، أمريكا) وقد أصيبت بعض المجموعات الإيطالية والفرنسية بالذهول والتردد بين مصدق ومكذب للإشاعة، لكن لماذا صدق الناس الإشاعة في المرتين الثانية والثالثة بالرغم من وجود قوات حلف الأطلسي مع كامل تجهيزاتها وأساطليها البحرية؟ السبب هو انعدام الثقة في الأمن القادم من الأطلسي، لأن زعيمه الحلف الاطلسي كذبت عليهم.
أما نجاح الشائعة في أجواء الانهيار الاقتصادي فمثاله ما أشيع في أجواء الانهيار الذي أصاب العملة اللبنانية عن أن الليرة المعدنية تعادل قيمتها مئة ليرة ورقية، وراج سوق بيع الليرات المعدنية في كل المدن والقرى والبعض حقق مبالغ ضخمة من وراء هذه الشائعة والبعض الآخر لحقت به الخسارة نتيجة انكشاف الأمر. " يشرح غوبلز وزير الدعاية في عهد هتلر دعائم الدعاية النازية بقوله: ينبغي ان نبحث عن الاقليات الموتورة وعن الزعماء الطموحين الفاسدين، وذوي العصبيات الحادة والميول الإجرامية فنتبناهم ونحتضن أهدافهم ونهول مظالمهم ونهيج أحاسيسهم بمزيد من الدعاية والشائعة" ويبدو أن هنالك الكثيرين من تلاميذ هتلر الذين يسيرون على خطاه خطوة خطوة، ولا زالوا تلاميذ أوفياء لمدرسته ونهجه.
الثلاثاء مارس 12, 2019 11:00 am من طرف مراد
» مواد بناء وتشطيب من مصانع الصين لبيتك 008615011961687
الإثنين أغسطس 22, 2016 2:27 pm من طرف دليل الصين
» مواد بناء وتشطيب من مصانع الصين لبيتك 008615011961687
الإثنين أغسطس 22, 2016 2:26 pm من طرف دليل الصين
» أنواع الصحف الحائطية
السبت ديسمبر 12, 2015 9:47 pm من طرف على فتحى
» كيفية عمل صحيفة الحائط
السبت ديسمبر 12, 2015 9:44 pm من طرف على فتحى
» أنواع الصحف المدرسية
السبت ديسمبر 12, 2015 9:41 pm من طرف على فتحى
» كيفية إعداد صحيفة حائط متميزة
السبت ديسمبر 12, 2015 9:29 pm من طرف على فتحى
» نموذج اختبار كادر المعلم ( اعلام تربوى )
السبت ديسمبر 12, 2015 9:21 pm من طرف على فتحى
» الإعلام التربوي
السبت ديسمبر 12, 2015 9:18 pm من طرف على فتحى