روجر أوين *
كنتُ أقرأ كتاباً لصحافي هولندي شاب، اسمه جوريس لوينديك، الذي كان يغطّي أخبار الشرق الأوسط في صحيفة هولندية وقناة تلفزيونية هولندية على مدى خمس سنوات منذ عام 1998 ولغاية عام 2003. كما يشير عنوان الكتاب: «أشخاص مثلنا يشوّهون الحقائق في الشرق الأوسط»، يحاول المؤلف تفسير الخلل الحاصل في معظم، إن لم نقل جميع التقارير الغربية حول هذه المنطقة. ويبدو أنه لاقى تعاطفاً في هولندا حيث أحرز نجاحاً سريعاً فبيع منه حوالى 250 ألف نسخة في بلد يضمّ 16 مليون نسمة. وتمت ترجمته في ما بعد إلى اللغة الألمانية ولغات أوروبية أخرى، وفي عام 2009، صدر باللغة الإنكليزية.
وسرعان ما أدرك لوينديك الذي تمّ توظيفه لأنه يجيد اللغة العربية التي تعلّمها عندما كان تلميذاً في أمستردام والقاهرة، أن عملية جمع الأخبار المتعلقة بالشرق الأوسط محدودة ومقيّدة. كانت فرق من المراسلين الأجانب تذهب للبحث عن قصص حددتها لهم مسبقاً وكالات الأنباء بمساعدة المراسلين المحليين، ولا يتم إطلاعهم سوى على المعلومات التي تريد الحكومة إطلاعهم عليها، فيقدمون تقارير تكمن قيمتها الوحيدة في تاريخها الذي يدل على أن المراسلين زاروا مصدر الأخبار نفسه سواء في الخرطوم أو عمان أو بغداد.
وكانت محاولات جمع الأخبار المحلية من الأصدقاء أو المعارف المحليين مخيّبة أيضاً. فكيف يمكن المرء أن يفرّق بين الشائعة والحقيقة؟ وكيف يمكنك أن تعلم في بلد تغيب فيه استطلاعات الرأي أو المصادر الأخرى لمعرفة آراء الناس، ما إذا كانت أقوال شخص معيّن تنطبق على البلد بأكمله؟ كان هذا النوع من المشاكل محيّراً بالنسبة إلى لوينديك الذي كان من المفترض أن يغطي أحداثاً مختلفة في عشرة بلدان عربية وليس في بلد واحد فحسب.
والأسوأ أن عملية جمع الأخبار كانت تقوم على افتراض أن المراسل الأجنبي يجب أن يفهم ما يحصل. وحتى عندما يفضّل الإقرار بجهله للأحداث، كان المحرّر الأجنبي يصرّ على ضرورة أن يعرف شيئاً وأن يرسل تقريره على هذا الأساس. فكان وصفه مثلاً طريقة تغطية مأتم الرئيس حافظ الأسد عام 2000 معبّراً. تصرّف المراسل ضد قناعته الشخصية لاجئاً إلى مصادر الأخبار ومكرّراً ما قاله له المسؤولون المحليون حول ما أطلق عليه اسم «ربيع دمشق» بقيادة الرئيس بشار الأسد، في حين كان يشكّ شخصياً في إمكانية إجراء إصلاحات أساسية.
يمكن بالتالي استخلاص بعض الاستنتاجات. أولاً يرى لوينديك أن القصة الحقيقية لا تتعلق بأي مجرى معيّن للأحداث بل هي مجرّد تحليل لبنية وممارسات الديكتاتوريات العربية التي تمنع القيام بتحقيق في أي حدث جدي أو الكتابة عنه. ثانياً، عادت التقارير الأجنبية القليلة وذات النوعية الرديئة أحياناً إلى الغرب، حين بدت بعد اعتداءات 11 سبتمبر غير قادرة على تقديم أجوبة مرضية عن أسئلة أساسية مثل «لماذا يكرهوننا؟» وأي شريحة من الشعوب الإسلامية أو العربية دعمت الاعتداءات؟ وربما وضع لوينديك كتاباً عرض فيه هواجسه إزاء جمهور لم يقدر على الوصول إليه من قبل، ردّاً على عمله المخيّب كمراسل.
وثمة أمور كثيرة يمكن أن نتعلمها من القصة التي يرويها لوينديك في كتابه موضوع المقال حتى لو أن بعض ما يقوله يبدو مألوفاً جداً. ويعرف أي شخص يولي اهتماماً كبيراً بهذه المسألة أنّ عدداً قليلاً من المراسلين الغربيين يجيد اللغة العربية وأن معظمهم لا يجرؤ على الابتعاد عن محيط الفنادق الباهظة الكلفة التي يقيمون فيها وأن معظمهم يستقي معلوماته من المتكلمين باسم الحكومة المحلية وأن معظم الأخبار التي يكتبون عنها تشبه إلى حدّ بعيد تلك التي كتب عنها مراسلون آخرون منذ شهور قليلة.
صحيح أن إدارة الأخبار من عدد من النواحي في الأنظمة الاستبدادية تختلف عن طريقة إدارتها في المجتمعات الأكثر ديموقراطية حيث يمكن التأكد من مصادر المعلومات وطرح عدد أكبر من الأسئلة. لكن هل صحيح كما يقول الكاتب أن نشر الحقيقة عما يجرى في الشرق الأوسط هو أمر مستحيل؟ لا تمنع كل الأنظمة في الشرق الأوسط كتابة التحقيقات كما يلفت لوينديك، إما لأنها ضعيفة كتلك الموجودة في لبنان أو العراق، وإما لأنها تسمح بقدر معيّن من الانتقاد شرط ألا يكتبه الصحافيون المحليون باللغة العربية. ولا يمكن القول إن كلّ الصحافيين الأجانب يجهلون ما يحصل. لكنّ غالبية الصحافيين الذين يتطرقون بشكل جيد إلى هيكليات السلطة المحلية يكتبون في صحف ومجلات محدودة الانتشار مقارنة بالصحف اليومية.
إضافة إلى ذلك، يصعب أحياناً حجب بعض العمليات الواضحة. فلنأخذ مثلاً الجدل الدائر حول الشخص الذي سيخلف الرئيس حسني مبارك في مصر وهو موضوع لا يحتل مساحة كبيرة في صحف البلد فحسب بل يطبع سياسات الحكومة والمعارضة بطرق واضحة. فضلاً عن ذلك، أن أسماء مجموعة من الأصدقاء الذين يحتكرون مراكز الاقتصاد المحلي في عدد من الأنظمة الرئاسية العربية معروفة ويتمّ انتقادهم حتى لو كان يصعب معرفة تفاصيل عن طريقة جمع ثرواتهم الفاحشة.
في عدد من هذه الحالات، ليس الصحافيون الأجانب على غرار الصحافي الشجاع في صحيفة «لوموند» فلورانس بورج على خطأ بل الزعماء السياسيون كالرئيس ساركوزي وإلى حدّ ما باراك أوباما اللذين اختارا تجاهل الدليل الواضح على حصول انتخابات مزوّرة والتقرّب من المعارضة لمصلحة فرص تجارية أو لاستكمال الحرب على الإرهاب. بالنسبة إليّ على الأقل إليكم القصة الحقيقية: يقوم الصراع بين أنظمة استبدادية تحاول إقناع حلفائها الأجانب بأنها ديموقراطيات فعلية وتحظى بمعارضة وتدير دولها على أساس قاعدة القانون، وبين صحافيين يسعون بكدّ من أجل كشف هذه الخدعة ويقدّمون دلائل تشير إلى أن عكس ذلك هو الصحيح.
* اكاديمي بريطاني - جامعة هارفارد
الثلاثاء مارس 12, 2019 11:00 am من طرف مراد
» مواد بناء وتشطيب من مصانع الصين لبيتك 008615011961687
الإثنين أغسطس 22, 2016 2:27 pm من طرف دليل الصين
» مواد بناء وتشطيب من مصانع الصين لبيتك 008615011961687
الإثنين أغسطس 22, 2016 2:26 pm من طرف دليل الصين
» أنواع الصحف الحائطية
السبت ديسمبر 12, 2015 9:47 pm من طرف على فتحى
» كيفية عمل صحيفة الحائط
السبت ديسمبر 12, 2015 9:44 pm من طرف على فتحى
» أنواع الصحف المدرسية
السبت ديسمبر 12, 2015 9:41 pm من طرف على فتحى
» كيفية إعداد صحيفة حائط متميزة
السبت ديسمبر 12, 2015 9:29 pm من طرف على فتحى
» نموذج اختبار كادر المعلم ( اعلام تربوى )
السبت ديسمبر 12, 2015 9:21 pm من طرف على فتحى
» الإعلام التربوي
السبت ديسمبر 12, 2015 9:18 pm من طرف على فتحى