علم البلاغة
نشأة علم البلاغة وتطوره :
في العصرين الجاهلي والإسلامي :
بلغ العرب في الجاهلية مرتبة رفيعة من البلاغة والبيان ، وقد صور الذكر الحكيم ذلك في غير موضع منه من مثل : ( الرحمن علم القرآن خلق الإنسان علمه البيان ) ( وإن يقولو تسمع لقولهم ) ( ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ) كما صور شدة حاجتهم وقوتهم في الحجاج والجدل بمثل : ( فإذا ذهب الخوف سرقوكم بألسنة حداد ) ( ماضربوه لك إلا جدالا بل هم قوم خصمون ) . ومن أكبر الدلالة على ما حذقوه من حسن البيان أن كانت معجزة الرسول الكريم وحجته القاطعة لهم أن دعا أقصاهم وأدناهم إلى معارضة القرآن في بلاغته البالغة . وهي دعوة تدل في وضوح على ما أتوه من اللسن والفصاحة والقدرة على حوك الكلام ، كما تدل على بصرهم بتمييز أقدار الألفاظ والمعاني وتبين ما يجري فيها من جودة الإفهام وبلاغة التعبير . ويروى أن الوليد بن المغيرة أحد خصوم الرسول الألداء إستمع إليه وهو يتلو بعض آيات القرآن ، فقال : (( والله لقد سمعت من محمد كلاماً ، ما هو من كلام الإنس ولا من كلام الجن ، وإن له لحلاوة ، وإن عليه لطراوة ، وإن أعلاه لمثمر ، وإن أسفله لمغدق )) .
وفي لام الوليد ما يظهرنا على أنهم كانوا يعربون عن إعجابهم ببلاغة القول في تصاوير بيانية ، ويعرض علينا الجاحظ في بعض فصوله بكتابه (( البيان والتبيين )) كيف كانوا يصفون كلامهم في شعرهم وكلامهم وخطابتهم ببرود العصب الموشاة والحلل والديباج والوشي وأشباه ذلك . وكثيراً ما وصفوا خطباءهم بأنهم مصاقع لسن ، كما وصفوهم باللوذعية والرمي بالكلام العضب القاطع ، وفي أمثالهم جرح اللسان كجرح اليد . يروى أن الرسول الكريم استمع إلى بعض خطبائهم ، فقال : إن من البيان لسحراً .
ونفس أدبهم الذي خلفوه يحمل في تضاعيفه ما يصور فصاحة منطقهم وكيف كانوا يتأتون للكلام ، حتى يبلغوا منهم كل ما كانوا يريدون من إستمالة القلوب والأسماع ، وأحس بذلك الجاحظ من قديم فقال : (( لم نرهم يستعملون مثل تدبيرهم في طوال القصائد وفي صنعة طوال الخطب .. وكانوا إذا احتاجوا إلى الرأي في معاظم التدبير ومهمات الأمور ميثوا ( ذللوا ) الكلما في صدورهم وقيدوه على أنفسهم ، فإذا قومه الشقاف وأدخل الكير وقام على الخلاص أبرزوه محككاً منقحاً ومصفى من الأدناس مهذباً )) . فبلغائهم من الخطباء والشعراء لم يكونوا يقبلون كل ما يرد على خواطرهم ، بل ما يزالون يلقحون ويجودون حتى يظفروا بأعمال جيدة ، وهي أعمال كانوا يجيلون فيها الفكرة ، ويعادون النظر ، متكلفين شاقاً في التماس المعنى المصيب تارة والتماس اللفظي المتخير تارة أخرى ، يقودهم في ذلك بصر محكم يميزون به المعاني والألفاظ بعضها من بعض ، بحيث يصونون كلامهم عما قد يفسده أو يهجنه . وقد وقف الجاحظ في بيانه ماراً ينوه بما كانوا يرسلونه في خطابهم وكلامهم من أسجاع محكمة الرصف ، وكرر القول في أن من شعرائهم (( من كان يدع القصيدة تمكث عنده حولاً كريتاً ( كاملاً ) وزمناً طويلاً يردد فيها نظره ، ويجيل فيها عقله ويقلب فيها رأيه ، إتهاماً بعقله ، وتتبعاً على نفسه ، فيجعل عقله زماماً على رأيه ، ورأيه عياراً على شعره .. وكانوا يسمونه تلك القصائد الحوليات والمقلدات والمنقحات والمحكمات ، ليصير قائلها فحلاً خنذيذاً وشاعراً مفلقاً )) .
وقد لقبوا شعرائهم ألقاباً تدل على مدى إحسانهم في رأيهم مثل المهلهل والمرقش والمثقب والمنخل والمتنخل والأفوه والنابغة ، وكأن ما كان هناك ذوق عام دفع الشعراء ومن ورائهم من الخطباء إلى تحبير كلامهم وتجويده . ومما لا شك فيه أن أسواقهم الكبيرة هي التي أملت على تشأة هذا الذوق ، وخاصة سوق عكاظ بجوار مكة ، إذ كان الخطباء والشعراء يتبارون فيها ، وكل يريد أن يحوز قصب السبق لدى سامعيه دون أقرانه . ويظهر أنه كان لقريش في ذلك الحكم الذي لا يرد ، ففي الأغاني (( أن العرب كانت تعرض أشعارها على قريش ، فما قبلوه منها كان مقبولاً وما ردوه منها كان مردوداً فقدم عليهم علقمة بن عبدة التميمي ، فأنشهم قصيدته : ( هل ما علمت وما استودعت مكتوم ) فقالوا : هذا سمط الدهر ، ثم عاد إليهم العام القادم ، فأنشدهم قصيدته : ( طحابك قلب في الحسان طروب ) فقال : هاتان سمطاً الدهر )) . ويبدو أن من الشعراء النابهين من كان يقوم في هذه السوق مقام القاضي الذي لا تدفع حكومته ، ففي أخبار النابغة الذبياني أن الشعراء الناشئين كانوا يتكلمون فيها إليه فمن نوه به طارت شهرته في الآفاق وكان في أثناء ذلك يبدي بعض الملاحظات على معاني الشعراء وأساليبهم ، ويقال إنه فضل الأعشى على حسان بن ثابت ، وفضل الخنساء على بنات جنسها . وثار حسان عليه ، وقال له : أنا والله أشعر منك ومنها ، فقال له النابغة حث تقول ماذا ؟ قال : حيث أقول :
لنا الجفات الغر يلمعن بالضحى وأسيافنا يقطرن من نجدة دما
ولدنا بني العنفاء وإبني محرق فأكرم بنا خالاً وأكرم بنا إبنما
موقع الآعلام التربوى
ei4eg.yoo7.com
الثلاثاء مارس 12, 2019 11:00 am من طرف مراد
» مواد بناء وتشطيب من مصانع الصين لبيتك 008615011961687
الإثنين أغسطس 22, 2016 2:27 pm من طرف دليل الصين
» مواد بناء وتشطيب من مصانع الصين لبيتك 008615011961687
الإثنين أغسطس 22, 2016 2:26 pm من طرف دليل الصين
» أنواع الصحف الحائطية
السبت ديسمبر 12, 2015 9:47 pm من طرف على فتحى
» كيفية عمل صحيفة الحائط
السبت ديسمبر 12, 2015 9:44 pm من طرف على فتحى
» أنواع الصحف المدرسية
السبت ديسمبر 12, 2015 9:41 pm من طرف على فتحى
» كيفية إعداد صحيفة حائط متميزة
السبت ديسمبر 12, 2015 9:29 pm من طرف على فتحى
» نموذج اختبار كادر المعلم ( اعلام تربوى )
السبت ديسمبر 12, 2015 9:21 pm من طرف على فتحى
» الإعلام التربوي
السبت ديسمبر 12, 2015 9:18 pm من طرف على فتحى