الاعلام الجديد و الفجوة
الرقمية العالمية:جنيالوجيا الهوة ومساءلة الخطاب.
د. ميمون الطاهري
الكلية المتعددة التخصصات، الناظور، المملكة المغربية
الأكاديمية العربية المفتوحة، كوبنهاجن، الدنمارك.
سواء في وسائل الاعلام بمختلف ,» الفجوة الرقمية « شاع في العقود الاخيرة استخدام مصطلح
أنواعها)مسموعة, مصورة أو مكتوبة(, في المؤتمرات الدولية, وكذا في جزء غير يسير من
الكتابات العالمة.و تستعمل هذه الصياغة للدلالة على الفوارق الموجودة بين شمال الكرة الارضية
و جنوبها فيما يخص امتلاك واستعمال ما وفرته الثورة الاعلامية التي شهدها المجتمع الدولي
في النصف الثاني من القرن الميلادي المنصرم من منجزات. وإذا كانت الهوة الاعلامية ليست
وليدة اليوم , فإن الملاحظ أن وتيرتها إزدادت في السنوات الاخيرة ليس فقط على مستوى المحور
الذي يقسم الكرة الارضية نصفين :الشمال و الجنوب, وإنما حتى داخل المحورين)الهوة الرقمية
على المستوى الاقليمي(..إن هذه الهوة الجديدة ستنضاف في حقيقة الامر إلى سلسلة الفجوات
التي تفصل شطري الكرة الارضية, بعبارة أخرى أصبح المجتمع الدولي ينقسم بالاضافة إلى
الانقسامات التقليدية المعروفة)على المستويات الاقتصادية, الثقافية,العلمية.....(أقول أصبح
منقسما على صعيد مكتسبات الثورة الاعلامية بصفة عامة, والطفرة الرقمية على وجه
الخصوص. وسواء تعلق الامر بالاختلالات الكلاسيكية على المستوى الدولي, أو بالاختلال الذي
يهمنا هنا في المجال الرقمي, فإن الاسباب القريبة و البعيدة التي تقدم لتفسير الوضع تحيل على
الادبيات التي تتحدث عن إنقسام العالم إلى قسمين:الشمال)المركز( الغني الذي يمتلك أسباب
الرفاهية و القوة, والجنوب )المحيط( الذي يعاني من التخلف والفقر.و فيما يخص الفجوة
الرقمية و كما حصل مع المستويات الاخرى سيبدأ الحديث في إطار المنظمات الدولية و كذا
من خلال وسائل الاعلام وكتابات المفكرين و الباحثين عن ضرورة ردم الهوة بين الشمال و
الجنوب في ميدان الاعلام بصفة عامة, و في المجال الرقمي بصفة خاصة.و هكذا ستكون البداية
في سبعينيات القرن العشرين حين ستلاحظ دول العالم الثالث سيطرة الدول الغربية على
المشهد الاعلامي الدولي, فتطالب في إطار منظمة الامم المتحدة بنظام دولي إعلامي جديد,
وهي المحاولة التي سيكون مصيرها الفشل.
ومع دخول المجتمع الدولي في زمن العولمة و القرية الكونية, ومع ظهور تقانات الاعلام الجديد,
وهو ما سيؤدي إلى بروز مجتمع المعلومات , مع كل هذه التطورات ستتكرس الهوة اكثر و
أكثر , و سيتجدد الحديث حول ضرورة تجسير الفجوة الرقمية.و في سبيل تحقيق هذا الهدف
ستعقد في إطار منظمة الامم المتحدة لقاءات و مؤتمرات عدة على أعلى المستويات.ولعل لقاءى
جنيف في عام 2003 و تونس في 2005 هما التعبيران الاكثر وضوحا عن المجهودات الرسمية
و غير الرسمية لتدارس واقع الاختلال الرقمي و سبل تداركه. كما أن المجموعة الدولية
وضعت إستحقاقات زمنية) 2015 ( لتحقيق بعض النتائج.
إلى هذه الجهود الرسمية يمكن إضافة تلك التي يطلقها –في شكل صيحات إستغاثة- المفكرون و
لتحسيس الانسانية بضخامة الهوة الرقمية.
هذه هي – ملخصة تلخيصا فيه كثير من التعسف- العناوين الكبرى للمشهد الاعلامي
الدولي الذي تعتبر الفجوة الرقمية عنصرا بارزا من عناصره. و الورقة-الدراسة التي نقترحها
ستحاول التعرض لكل هذه النقاط و غيرها لتسليط الضوء على مختلف جوانب الموضوع
)تقانات الاعلام الجديد ومشكلة الفجوة الرقمية على المستويين الدولي و الاقليمي( ضمن
محور الابعاد الدولية.
وينقسم البحث إالى قسمين:قسم أول سيحاول تعقب مختلف المحطات التي مرت منها - من
الناحية التاريخية-المعضلة الاعلامية على المستوى الدولي من خلال الحديث عن مجهودات
دول العالم الثالث لفرض نظام دولي إعلامي جديد. بعد ذلك سنفصل القول –مع إنفجار
الثورة الاعلامية- في المحاولات الدولية للحد من ضخامة الفجوة الرقمية بتنظيم لقاءين
عالميين في عامي 2003 و 2005 .و في هذه الفقرة الخاصة بالقمتيين الرقميتين سنستعرض
مختلف الوثائق التي صدرت عن الملتقيين .أما في القسم الثاني فستحاول الورقة مساءلة
الخطاب العالمي حول تجسير الهوة الرقمية من خلال استعراض ما تم فعلا على ارض الواقع
وخاصة في الجزء الاول و الثاني من القمة العالمية حول مجتمع المعلومات وأيضا بالتوقف
أمام المنطلقات الفكرية و الفلسفية لهذا الخطاب. أما في الاخير-الخاتمة- فسنحاول إستشراف
مستقبل الهوة الرقمية.
القسم الاول: محطات الهوة الرقمية من النظام الدولي الاعلامي الجديد إلى
مؤتمر تونس.
بدأت دول العالم الثالث –سنوات قليلة بعد حصولها على الاستقلال ابتداء من العقد السادس
من القرن العشرين- تلاحظ كيف تبسط الدول الغربية المتقدمة سيطرتها و هيمنتها على
المشهد الاعلامي الدولي من خلال وكالات الانباء , الصحف الكبرى, قنوات الراديو و التلفزيون,
وفي وقت لاحق الاقمار الاصطناعية. إن المشهد الاعلامي الدولي غداة حصول أغلبية الوحدات
السياسية في العالم الثالث على استقلالها كان يتميز بلا توازن ظاهر في حركة تبادل المعلومات
بين شقي الكرة الارضية.و هكذا ستتهم دول الجنوب الدول المصنعة في أوروبا و أمريكا الشمالية
باحتكار السوق الاعلامي معتمدة على تفوقها الاقتصادي و التكنولوجي الواضح لتكريس
هيمنتها الايديولوجية و الثقافية على الدول الفقيرة. و في هذه الفترة و في هذه الظروف
ستظهر المطالبة بنظام دولي إعلامي جديد, وسيكون الاطار المؤسساتي الذي سيحتضن هذه
تفاصيل هذه المواجهة بين الشمال و الجنوب؟ و ما هي حصيلتها؟
النظام الدولي الاعلامي الجديد: تفاصيل المعركة و حصيلتها
مباشرة بعد نهاية الامبراطوريات الاستعمارية في النصف الثاني من القرن العشرين
, ستعي دول العالم الثالث أن استقلالها السياسي لن يكون له من معنى في ظل الاختلالات
الكبيرة التي تعرفها مختلف مستويات العلاقات الدولية وعلى رأسها المبادلات الاقتصادية الغير
المتكافئة 1. وهكذا ستحاول هذه الدول في إطار مجموعة عدم الانحياز التحرك سعيا وراء
علاقات إقتصادية أكثر عدلا. و ستتوج هذه المجهودات في شهر ماي من عام 1974 بالاعلان
المشهورلإنشاء نظام إقتصادي دولي جديد مبني على قدر أكبر من التوازن و العدل. بالموازات
مع هذه الدعوة, ستبلور الدول التي اصبح يقال عنها بأنها سائرة في طريق النمو نداء آخر قصد
خلق نظام دولي جديد, في الميدان الاعلامي هذه المرة.و منذ البداية ستأخذ منظمة اليونسكو
التابعة للامم المتحدة على عاتقها مهمة الدفاع عن هذه القضية الحيوية. وهكذا ستشهد سنة
1976 لقاءات و ندوات عديدة لتحسيس المجتمع الدولي بأهمية النقاش حول المشهد الاعلامي,
وستعرض مختلف جوانب الاشكالية في المؤتمر العام التاسع عشر لمنظمة اليونسكو الذي عقد
في نيروبي العاصمة الكينية في شهر نوفمبر من عام 21976 . إن مؤاخذات دول العالم الثالث
على النظام الاعلامي القائم – كما طرحها مؤتمر نيروبي- يمكن تلخيصها في أن الدول
في بيئة ثقافية غير محلية )بالمعنى » صناعتها « مادة إعلامية تتم بلورتها و » تستهلك « الفقيرة
الانتربولوجي(, أي في بيئة خارجية)البيئة الغربية(. بعبارة أخرى سيتحكم الانسان الغربي
في محتوى و طبيعة السلع الرمزية التي سيصدرها مع السلع المادية الى مجتمعات الجنوب.
وغني عن القول بأن الهيمنة الغربية تجد أسبابها و علة وجودها في التفوق المادي و التكنولوجي
للمنظومة الغربية. لقد فهمت الدول النامية أن الخروج من الاستعمار السياسي و الاقتصادي
لقد كانت حقبة السبعينات المتميزة .» الاستعمار الاعلامي « لن يكون ممكنا بدون التخلص من
من جهة بأجواء الحرب الباردة, و بحصول عدد كبير من الدول في الجنوب على استقلالها
السياسي من جهة اخرى, أقول لقد كانت هذه الفترة مناسبة للانخراط في هذه المعركة. و
النظام الدولي الاعلامي « بعد سنوات من النقاش و الجدل ستوضع اللبنات الاولى لمفهوم
1للاطلاع على أدبيات العلاقات الغير المتكافئة في الميدان الاقتصادي بين الشمال و الجنوب , يرجى العودة
إلى مختلف كتابات الباحث المصرى المبدع سمير أمين.
2 عديدة هي الكتب و المؤلفات التي تعرضت لموضوع النظام الدولي الاعلامي الجديد, لرؤية شاملة
Mac Bride, Voix multiples, un seul monde ; UNESCO, ننصح بالرجوع إلى تقرير
.Paris, 1980
عدل سابقا من قبل شيماء الجوهرى في الثلاثاء يوليو 27, 2010 7:31 pm عدل 1 مرات
الثلاثاء مارس 12, 2019 11:00 am من طرف مراد
» مواد بناء وتشطيب من مصانع الصين لبيتك 008615011961687
الإثنين أغسطس 22, 2016 2:27 pm من طرف دليل الصين
» مواد بناء وتشطيب من مصانع الصين لبيتك 008615011961687
الإثنين أغسطس 22, 2016 2:26 pm من طرف دليل الصين
» أنواع الصحف الحائطية
السبت ديسمبر 12, 2015 9:47 pm من طرف على فتحى
» كيفية عمل صحيفة الحائط
السبت ديسمبر 12, 2015 9:44 pm من طرف على فتحى
» أنواع الصحف المدرسية
السبت ديسمبر 12, 2015 9:41 pm من طرف على فتحى
» كيفية إعداد صحيفة حائط متميزة
السبت ديسمبر 12, 2015 9:29 pm من طرف على فتحى
» نموذج اختبار كادر المعلم ( اعلام تربوى )
السبت ديسمبر 12, 2015 9:21 pm من طرف على فتحى
» الإعلام التربوي
السبت ديسمبر 12, 2015 9:18 pm من طرف على فتحى