موقع الإعــــــلام التربــــوي

أنت غير مسجل لدينا يجب عليك التسجيل حتى يمكنك الاستفادة الكاملة من مواضيع المنتدى

ملاحظة : يجب عليك التسجيل ببريدك الالكتروني الصحيح حتى يتم تفعيل حسابك, يتم إرسال رسالة التفعيل إلى بريدك الالكتروني ولا يمكن الاستفادة من التسجيل بدون تفعيل عضويتك وسيتم حذف العضوية الغير مفعلة



انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

موقع الإعــــــلام التربــــوي

أنت غير مسجل لدينا يجب عليك التسجيل حتى يمكنك الاستفادة الكاملة من مواضيع المنتدى

ملاحظة : يجب عليك التسجيل ببريدك الالكتروني الصحيح حتى يتم تفعيل حسابك, يتم إرسال رسالة التفعيل إلى بريدك الالكتروني ولا يمكن الاستفادة من التسجيل بدون تفعيل عضويتك وسيتم حذف العضوية الغير مفعلة

موقع الإعــــــلام التربــــوي

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

موقع الاعــــــلام الــتربــوى أول موقع عربى فى الشرق الاوسط متخصص فى مجال الاعلام المدرسى ولطلاب وخريجى قسم الاعلام التربوى ولمشرفى الاذاعة والصحافة والمسرح المدرسى من هنا تبدأ خطواتك الاولى نحو التفوق

 أهلا ومرحبا بكم فى موقع الآعلام التربوى أول موقع عربى فى الشرق الاوسط متخصص لطلاب وخريجى قسم الاعلام التربوى ولمشرفى الاذاعة والصحافة والمسرح المدرسى من هنا تبدأ خطواتك الاولى نحو التفوق نتمنى  من الله عز وجل ان تستفيدوا معنا كما نتمنى منكم التواصل والمشاركة معنا
تنــــــوية هام

 فى حالة رغبة الزوار بالتسجيل فى المنتدى الضغط على زر التسجيل ثم ملئ الحقول الفارغة والضغط على زر انا موافق ستصل رسالة اليك على الاميل الخاص بك أضغط على الرابط لتفعيل تسجيلك وفى حالة عدم وصول رسالة التفعيل ستقوم الادارة خلال 24 ساعة بتفعيل أشتراك الاعضاء

ملاحظة : يجب عليك التسجيل ببريدك الالكتروني الصحيح حتى يتم تفعيل حسابك, يتم إرسال رسالة التفعيل إلى بريدك الالكتروني ولا يمكن الاستفادة من التسجيل بدون تفعيل عضويتك ....
نظرا لوجود التعديلات والصيانة المستمرة للمنتدى يرجى من أعضاء المنتدى وضع مقترحاتهم ووجهة نظرهم لما يرونة أفضل وذلك فى منتدى الشكاوى والمقترحات ....... فشاركونا بوجهة نظركم لرقى المنتدى

الآن ..... يمكن لزوار موقعنا وضع تعليقاتهم ومواضيع بدون اشتراك أو تسجيل  وذلك فى منتدى الزوار .... كما يمكن للجميع ابداء أراؤكم بكل حرية وبدون قيود فى حدود الاداب العامة واحترام الاديان فى منتدى شارك برأيك وفى حدوث تجاوز من احد الآعضاء أو الزوار ستحذف المشاركة من قبل ادارة الموقع

 التعليقات المنشورة من قبل الاعضاء وزوار الموقع تعبر عن اراء ناشريها ولا تعبر عن رأي الموقع 
الاخوة  الكرام زوار وأعضاء موقع الاعلام التربوى المنتدى منتداكم انشئ لخدمتكم فساهموا معنا للنهوض به

إدارة المنتدى تتقدم بالشكر للاعضاء المتميزين  وهم  (المهندس - الباشا - شيماء الجوهرى - الاستاذ - محمد على - أسماء السيد - الصحفى - كاريكاتير - المصور الصحفى - العربى - الرايق - القلم الحر  - ايكون - ابو وردة - انجى عاطف - الروسى - rewan - ام ندى -  esraa_toto - بسمة وهبة - salwa - فاطمة صلاح - السيد خميس - ليلى - أبوالعلا البشرى )  على مساهماتهم واهتماماتهم بالمنتدى


2 مشترك

    مجموعة قصص قصيرة ليوسف أدريس

    الرايق
    الرايق
    مشرف
    مشرف


    تاريخ الميلاد : 21/10/1982
    النوع : ذكر

    العمر : 41
    عدد المساهمات : 53

    الميزان

    مجموعة قصص قصيرة ليوسف أدريس  Empty مجموعة قصص قصيرة ليوسف أدريس

    مُساهمة من طرف الرايق الخميس يوليو 08, 2010 6:41 pm

    مجموعة قصص قصيرة ليوسف أدريس  220571197909983


    مجموعة قصص قصيرة ليوسف ادريس

    مجموعة قصص قصيرة ليوسف أدريس  308941

    قصة المرتبة المقعرة

    هي قصة قصيرة من قصص مجموعة (النداهة) للأديب د/ يوسف إدريس، وعلى عكس معظم قصص يوسف إدريس المليئة بالسرد والوصف بإسهاب مما يؤدي إلى التأثير على جمال موضوعاته – مثلما حدث في قصص عديدة مثل النداهة وحادثة شرف و طبلية من السماء _ تأتي قصة المرتبة المقعرة كدرس في القصة القصيرة تماماً مثل قصته الشهيرة(نظرة) والتي كنا ندرسها في المرحلة الثانوية كمثال للقصة التي تعبر فيها الكلمة الواحدة عن معانٍ كثيرة ، وقصة المرتبة المقعرة قصة رمزية رائعة .. تدل على عبقرية الكاتب في أنها صالحة لأن تحدث في كل زمان ومكان ، ترمز إلى الإنسان الخامل العاطل عن الحياة والذي يتخذ حجة على خمولة بأنه ينتظر شيئاً ما أن يحدث لكي يبدأ الحركة ..وطبعاً هذا الشئ لن يحدث وإن حدث فهو سيتجاهله متعللاً بأنه ليس الشئ الذي يريده ، مثال على ذلك ما يفعله المسلمون الآن ..ينتظرون أن يتدخل الله ويدعونه بأن يريهم عجائب قدرته في اليهود والغرب الكافر (وليس الصهاينة والطغاة فقط)، أو يجلسون بانتظار المهدي المنتظر الذي يعلم الله وحده إن كانت حكايته كما تُروى حقيقة أم أن بها خيال وادعاءات ..وإن أتى هذا المهدي ونحن في تلك الحالة فسيقتله المتعصبون أو يودعونه مستشفى الأمراض العقلية لأنه طبعاً لن يأتي بالأفكار القابعة في رؤوسهم ..وهذا هو حالنا ، والآن مع القصة التي قد يكون البعض لم يقرأها
    فقط وحصرى لموقع ومنتديات الآعلام التربوى
    ei4eg.yoo7.com


    القصة
    في ليلة (الدخلة)، و(المرتبة) جديدة وعالية ومنفوشة ، رقد فوقها بجسده الفارع الضخم ، واستراح إلى نعومتها وفخامتها، وقال لزوجته التي كانت واقفة إذ ذاك بجوار النافذة :
    -أنظري ...هل تغيرت الدنيا؟
    ونظرت الزوجة من النافذة ، ثم قالت:
    -لا .. لم تتغير..
    -فلأنم يوماً إذن..
    ونام أسبوعاً ، وحين صحا، كان جسده قد غور قليلاً في المرتبة..
    فرمق زوجته وقال:
    -أنظري ... هل تغيرت الدنيا؟
    فنظرت الزوجة من النافذة ، ثم قالت:
    -لا ..لم تتغير ..
    -فلأنم أسبوعاً إذن..
    ونام عاماً، وحين صحا، كانت الحفرة التي حفرها جسده في المرتبة قد عمقت أكثر، فقال لزوجته:
    -أنظري...هل تغيرت الدنيا؟
    فنظرت الزوجة من النافذة، ثم قالت:
    -لا ..لم تتغير..
    -فلأنم شهراً إذن..
    ونام خمس سنوات، وحين صحا، كان جسده قد غور في المرتبة أكثر، وقال كالعادة لزوجته:
    -أنظري...هل تغيرت الدنيا؟
    فنظرت الزوجة من النافذة ، ثم قالت:
    -لا ..لم تتغير..
    -فلأنم عاماً إذن..
    ونام عشرة أعوام، كانت المرتبة قد صنعت لجسده أخدوداً عميقاً ، وكان قد مات وسحبوا الملاءة فوقه فاستوى سطحها بلا أي إنبعاج، وحملوه بالمرتبة التي تحولت إلى لحد وألقوه من النافذة إلى أرض الشارع الصلبة..
    حينذاك وبعد أن شاهدت سقوط المرتبة اللحد حتى مستقرها الأخير، نظرت الزوجة من النافذة وأدارت بصرها في الفضاء وقالت:
    -يا إلهي...لقد تغيرت الدنيا..
    التحليل
    ·بدءاً من العنوان ( المرتبة المقعرة)..لماذا اختار المؤلف هذا العنوان ؟ ..المرتبة في القصة هي رمز الخمول والكسل والدعة ..حتى أنه بدأ وقال جديدة وعالية ومنفوشة.. مما يوحي بإغراء للنوم والإستسلام للراحة..تماماً مثل الطعام الساخن ذو الرائحة المثيرة لشهوة الأكل ، وجاءت لفظة المقعرة لتصف حالتها في نهاية القصة حيث تقعرت واحتوت الجسد الذي استسلم لإغرائها فأصبحت اللحد
    ·بداية الحدث هو ليلة الدخلة ، وهي الليلة المفترض فيها أن يبدأ الإنسان حياة نقية ..يبدأ فيها حياة متعاونة مع شريكة حياته سعياً إلى إنشاء أسرة ..أي أن تلك الليلة والتي غالباً ما تبدأ بالجنس أو بإزالة كل الحواجز بين الطرفين.. بدأها بطل القصة بالنوم متأثراً بإغراء المرتبة ولم يعِ بأنها( الدخلة) في ذاتها هي الحدث الذي ينتظره أو الذي يجب أن يبدأ منه..فسأل زوجته(أنظري هل تغيرت الدنيا) وهو سؤال مائع لأنها لن تعلم قصده من تغير الدنيا، فلم يؤجل اللقاء بزوجته ؟ -مع أنه في حد ذاته متعة أكبر من النوم كما أنه له نتائج إيجابية على الجميع- تماماً مثل العمل والكفاح في سبيل الغاية سواء كانت مادية أو وطنية أو دينية هذه متعة عظيمة ولكن الإنسان يتركها ويخضع لمتعة أدنى وهي الكسل رغم أن الكسل لا هدف منه
    ·حال الزوجة هنا عجيب.. فهي مشتركة بالجرم بخضوعها لتهربه منها.. القصة فانتازيا ربما..ولكن لا مانع من مناقشة سلوك الزوجة، ليلة الدخلة والزوج يسألها السؤال فتجيب بأن الدنيا لم تتغير..ويقول فلأنم يوماً ..ثم يستيقظ بعد أسبوع! والسؤال هنا هو ( لماذا لم توقظه الزوجة في اليوم التالي؟ أو في أي يوم من الأيام السبعة؟ وعندما استيقظ من نومه وسألها نفس السؤال لماذا أجابت بنفس الإجابة وتركته ينام ثانية؟ ) سيقول البعض أن أحداث القصة نفسها غير طبيعية فلم نترك هذا ونعلق على السلوك؟ ، وكما قلت من قبل الكاتب قصد هذا السلوك العجيب من الإثنين حتى يتيح لنا أن نتأمله بعيداً عن نوم الزوج لمدة ستة عشر عاماً وسبعة أيام وهو أمر غير وارد في الحياة الطبيعية ، فهل كان سلوك الزوجة خوفاً من اللقاء فآثرت أن تتركه؟ أم تشجيع على الخمول ؟ والكاتب تركنا حيارى هنا إذ لم يتحدث عما فعلته الزوجة طوال تلك الفترة ولنا هنا أن نخمن ما نشاء حسب اتجاه الرمز في عقولنا .. ربما نامت هي الأخرى.. ربما خانته فتركته ينام كام يحلو له.. ربما هي من البله حتى أنها لم تهتم لما يحدث. كل شئ جائز
    ·كان الزوج يقول سأنام يوماً فينام أسبوعاً ويقول سأنام أسبوعاً فينام عاماً وهكذا هو يطيل الأمد..ما أشبه هذا بسلوك الحكومات والشعوب العربية على السواء..يبدو أن الزوج بيروقراطي
    ·كلما استيقظ الزوج يكن جسمه قد غور أكثر في المرتبة..وكأنها رمال ناعمة أو وحش يلتهمه ببطء.. يرمز الكاتب هنا للتعود ..يبدأ الجسد والمرتبة في الإرتباط ببعضهما..تتخذ المرتبة شكل الجسد ويجد الجسد مستقر له..فالتعود على الشئ خاصة إن كان مثل الكسل والنوم يجعل الإنسان يعجز عن ترك تلك العادة وكأنه أدمنها..وبمرور الزمن يزيد الإرتباط فيصبح الإنفصال أشبه بالمستحيل.. وبعد فوات الأوان يكون الجسد قد انتهى إلى الموت بسبب ذلك الإرتباط.. المرتبة التي يفترض أنها وسيلة أصبحت غاية والغاية التهمته حتى أصبحت لحداً
    ·( وكان قد مات وسحبوا الملاءة فوقه فاستوى سطحها بلا أي إنبعاج، وحملوه بالمرتبة التي تحولت إلى لحد وألقوه من النافذة إلى أرض الشارع الصلبة..) سحبوا الملاءة فوقه فاستوى سطحها بلا أي انبعاج ..وكأنه لم يكن .. نحن نعلم عمر بن الخطاب وصلاح الدين ونابليون ونيوتن ومايكل أنجلو وبرنارد شو..كل واحد منهم له إنجازاته التي أتمها عن طريق العمل والكد ..من منا يعلم إسم كسول واحد أو عاطل واحد؟ كلهم استوت عليهم الملاءة بلا إنبعاج لأن كسلهم التهمهم فأصبحوا لا شئ..وكما قال نجيب محفوظ في إحدى قصصه أن المؤمن يزلزل الأرض ويحرك الجبال ويقتل الموت ، كما أنهم ألقوه من النافذة لتعثر الخروج به في الظاهر أو لأنه أصبح أدنى من أن يحمل بكرامته وهو في هذه الحالة المزرية
    ·حينذاك وبعد أن شاهدت سقوط المرتبة اللحد حتى مستقرها الأخير، نظرت الزوجة من النافذة وأدارت بصرها في الفضاء وقالت- يا إلهي لقد تغيرت الدنيا ، أدارت بصرها في الفضاء..ولم تكتفِ فقط بالنظر إلى المرتبة وزوجها السابق بالداخل.. وإنما نظرت حولها وكأنها ترى العالم لأول مرة..أو كأنها ترفع رأسها إلى أعلى لأول مرة ..رغم كل شئ أدركت هي في النهاية ان الحياة تتغير ليس بسبب موت زوجها فهو لم يكن يوماً بزوج..ولكن ربما تحررت من الرباط الذي قيدها طوال ستة عشر عاماً ..فهو لم يحاول قط أن يتحرك أو أن يغير أي شئ..فليأت التغير إذن بعد أن رحل وأصبحت حرة
    كل ما قلته هو مجرد تذوق للقصة ومحاولة لسبر أغوارها..قد أكون أخطأت وقد أكون أصبت.. لكن الأكيد أن يوسف إدريس كان عبقرياً مظلوماً مثل معظم العباقرة.. رحمه الله
    فقط وحصرى لموقع ومنتديات الآعلام التربوى
    ei4eg.yoo7.com
    >>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>

    سورة البقرة


    ما كادت الفاتحة تقرأ ويسترد يده من يد الرجل، ومبروك! ويتأمل مليًـا البقرة التي حصل عليها، ثم يتوكل ويسحبها خارجًا، حتى بعد خطوات قليلة وضع فلاح شاب طويل مهول يده فوق اليد الممسكة بالحبل، وبقوة الضغط والعضلات أوقفه قائلاً:
    ألا قول لي يا شيخ.. بالذمة والأمانة والديانة.. وقعت بكام؟ وحتى لو لم يذممه فقد كان يريد قول الحقيقة لكي يعرف من وقع الرقم إن كان هو الخاسر أم الكاسب في الصفقة، أجاب:
    بالذمة والأمانة والديانة بسبعة وتمانين جنيه وربع وبريزة للسمسار.. ولم يتح له أن يقرأ شيئاً في وجه الشاب الضخم، فما كاد يقول الرقم حتى كان الشاب وكأنما انتهى غرضه منه تمامًا، فسحب يده ومضى إلى حاله مغمغماً بكلام مضغوط لا يلوي على شيء. وبعد باب السوق بخطوة اندفع ناحيته رجل بشارب هائش وصوت مزعج عال وكرش، قائلاً:
    سلام عليكم
    سلام ورحمة الله.
    بالذمة والأمانة يا شيخ بكام؟ وبصوت واضح، وحرص شديد هذه المرة على ألا تفوته بادرة، فالبقرة أيام جده كانت بثلاثة جنيهات، وكان أبوه رحمة الله عليه يقول له أن أول بقرة اشتراها في حياته كانت بخمسة، قال:
    بالذمة والأمانة بسبعة وتمانين وربع وبريزة للسمسار.
    قال الرجل من تحت شاربه المهوش:
    هم.. هيه.. فيها لبن؟ أجاب وأمره إلى الله:
    ما فيهاش.
    وراها عجل؟
    ما وراهاش.
    معشرة ؟
    طالبة عشر.
    ومرة أخرى قال الرجل، بغيظ مكتوم لا يعرف سببه، وبحزن لا يعرف سببه أيضًا:
    هم.. هيه.. مبروكة عليك. ومشى.
    وعند أول منعطف للطريق الجانبي الماضي إلى الطريق الزراعي العام، رفع فلاح كان يعزق الأرض المجاورة صوته سائلاً:
    بتقول بالذمة والأمانة بكام؟ فقال: بسبعة وتمانين جنيه وربع وبريزة للسمسار.
    فعاد الفلاح يصيح مرة أخرى:
    بتقول بكام؟ ورفع صوته عاليًا جدًا أعلى بكثير مما يجب، لا ليسمعه الفلاح فقط إنما ليصل إلى كل الرجال القريبين والبعيدين حتى يكفوه مئونة رد آخر:
    - بسبعة.. وتمانين.. جنيه.. وربع.. وبريزة للسمسار…
    وقبل أن يسمح لنفسه أن يسمع الرد أو التعليق كان قد أغلق أذنيه ومشى.
    وحين وصل إلى الطريق الزراعي الموصل إلى بلده كان قد سئل ثلاث مرات، وأجاب ثلاث إجابات، نقض الذمة والأمانة في ثالثتهما حين كسل أن ينص على بريزة السمسار.
    كانت الدنيا لا تزال ضحى، والسوق منتصبة منذ الشروق هذا صحيح، ولكن كان هناك على الطريق قادمون كثيرون، أولئك الذين لا يريدون ضياع اليوم فأنهوا بسرعة أعمالهم ثم اقبلوا مهرولين يلحقون السوق. وعلى أول الطريق الزراعي سأله شيخ معمم بجبة كالحة وقفطان:
    دفعت فيها كام بالذمة والأمانة والديانة إن شاء الله ؟ فقط لو أنهم لا يذممونه ويستحلفونه بالأمانة والدين!
    سبعة وتمانين جنيه وربع وبريزة للسمسار. وبعد خطوة واحدة إذا برجل وكأنه عمدة، يمتطي ركوبة ويستظل بشمسية يزعق بصوت مسلوخ:
    بتقول بكام.
    سبعة وتمانين وربع وبريزة للسمسار.
    غالية شوية إنما تتعوض. وما كاد يخرج عليه الدخان ويبدأ في لف السيجارة حتى حود عليه رجل مسن له لحية اختلط فيها السواد بالبياض:
    سلام عليكم.
    سلام ورحمة الله..
    دستورك منين؟
    - من هرية.
    شارى ولا بايع؟
    مانتاش شايفني راجع، شاري.
    واصل ع الشيخ منصور؟
    واصل إن شاء الله.
    طب بذمتك وحياة الشيخ منصور على قلبك، بكام؟
    بسبعة وتمانين جنيه وربع وبريزة للسمسار.
    يا راجل أنا ذممتك وحلفتك بالشيخ منصور؟
    وحياة الشيخ منصور والذمة والأمانة والديانة، وحياة شيخ العرب السيد بسبعة وتمانين جنيه وربع وبريزة للسمسار.
    يا راجل أنت اشتريت وخلاص، برئ ذمتك وقول الحق.
    وأنا يعني ح اكدب عليك ليه، ما قلت لك الحق.
    بقى بذمتك وديانتك والأمانة عليك وبركة الشيخ منصور وديتها رقبتك بسبعة وتمانين جنيه وربع؟ - وديني وما أعبد وحياة ربنا اللي أكبر من الشيخ منصور ومني ومنك ومن الدنيا كلها بسبعة وتمانين جنيه وربع وبريزة للسمسار.
    طب روح يا شيخ الهي إن كنت كدبت ما توعى تعلقها في المحرات.
    وتركه ومضى. ولو كان قد بقى أمامه لحظة أخرى لما كان قد استطاع كبح جماح الخاطر الذي كان يلح عليه باستمرار.. أن ينتف ذقنه شعرة شعرة.
    وما كاد يمشي أربع أو خمس قصبات حتى- برجاء حار- استوقفه شخص كان منتحيًا جانبًا، يعمل مثل الناس على حافة الخليج الموازي للطريق، وحتى قبل أن ينتهي وهو لا يزال القرفصاء لوى رقبته وسأله:
    بالذمة والأمانة بقد إيه؟
    بسبعة وتمانين وربع وبريزة.
    إيه اللي سبعة وتمانين وبريزة. هم مش يبقوا سبعة وتمانين وخمسة وتلاتين صاغ؟
    طب يا سيدي ما تزعلش سبعة وتمانين وخمسة وتلاتين صاغ.
    أمال الأول قلت وبريزة ليه؟
    عشان هي بسبعة وتمانين وربع وبريزة للسمسار.
    بقة أبقى محلفك بالذمة والأمانة وتكذب.
    أنا كدبت؟
    مش قلت بريزة للسمسار. هي البريزة تخش في التمن؟
    ما دام دفعتها تخش.
    لا ما تخشش.
    تخش.
    لا ما تخشش.
    تخش.
    أنت كداب.
    أنت بارد.
    تفوه عليك نفر.
    تفوه عليك وعلي خلفوك.
    وهو لا يزال متشبثًـا باستماتة في حبل البقرة اندفع ناحية الرجل يريد أن يطبق عليه وينتهي منه، وكان الرجل هو الآخر قد أوقف ما كان يقوم به واندفع ناحيته ويده مستميتة هي الأخرى على (دكة) السروال المفكوك. وبيد متشبثة والأخرى طليقة تريد أن تغور في زمارة رقبة الآخر، كادا أن يتماسكا، لولا أن أولاد الحلال وما أكثرهم على الطريق حالوا بينهما في آخر لحظة، وبعد محاولات لصلح فاشل، اندفع كل منهما، الرجل إلى حافة الخليج، وهو ناحية بلده، وبينهما حبل طويل غليظ من الشتائم ظل يمتد ويرق كلما ابتعدا حتى انقطع وسكت مخنوقـًا. ومد يده يبحث عن العلبة ليلف السيجارة غير أنه اكتشف أنه فقدها في الخناقة، وبلغ الغيظ حد أنه لم يحتمل مجرد فكرة العودة للبحث عنها في مكان الخناقة. وهو في قمة غيظة إذا برجل، يرتدي في عز الحر عباءة، مؤدب وقصير، وما كاد يفتح فمه ويقول: بالذمة والأمانة عليك، حتى كان قد رفع يده إلى آخرها دون أن يدري ثم هوى بها على صدغ صاحب العباءة الممددة في أدب ووقار.
    وارتاع الرجل حتى سقطت العباءة من فوق كتفيه، وفكر أن يمسك بخناقه ولكنه في اللحظة التالية كان قد راجع نفسه، وحين تلفت حوله فلم يجد أحدًا من المحتمل أن يكون قد رآه وهو يصفعه عاد للسير وكأن شيئاً لم يحدث وهو يقنع نفسه أن الرجل لا بد مجنون هارب من مستشفى المجاذيب.
    وما كاد هذا يحدث حتى وجد صاحب البقرة نفسه يضحك ضحكًا عاليًا متواصلاً وكأنه قد جن فعلاً، وبلغ به الاستهتار حد أنه حين سمع السؤال يلقى عليه من جانب الطريق، اندفع ناحية السائل ورفع يده يحاول أن يهوي بها على صدغه، ولكنه فوجئ بيد حديدية تقيد يده في مكانها، وبكف كأنها من بلوط تهوي على صدغه هو بأربعة أقلام سخية نظيفة جعلت عينيه تقدحان شررًا، بل أعمته إلى درجة لم ير معها ضاربه، ولا فطن إلى أنه ضرب إلا بعد أن أصبح بينه وبين المعتدى مشوار ومشوار.
    وعند كشك المرور تمامًا سأله تاجر قمح تخين كان يفرش على جانب الطريق يشتري بالأقداح والشروات من الذاهبات إلى السوق:
    إلا قولي يا شيخ العرب، بالذمة والأمانة بكام؟ ولم يكن عربياً أو شيخ عرب، ولكنه بمنتهى التأدب أو بهدوء غريب لا اثر مطلقًا لأية ثورة فيه أجاب: - بسبعة وتمانين وربع وبريزة للسمسار.
    وكأنه لأول مرة يدرك- وبصفاء أيضًا- أنه باع كل شيء ليشتري هذه البقرة بعدما ماتت جاموسته في أول شعبان، بل فطست ولم يلحقها الجزار بالسكين حتى، ولثلاثة أشهر وهو يدبر، وعلى المحصول الذي لا تزال أمامه أربعة أشهر طويلة، ومحفظته إن كانت لم تسرق في الخناقة فليس بها غير جنيه وربع هي آخر ما تبقى معه من نقود الحياة.
    بسبعة وتمانين جنيه وربع وبريزة للسمسار. قالها مرة أخرى، وبصوت مخنوق أعلى حتى حدق فيه التاجر مذهولاً لا يستطيع النطق. وما كاد يلتفت حتى هبط من فوق جسر السكة الحديد رجل كان يحمل عنزة فوق كتفه، وما أن فتح فمه لينطق حتى قال:
    بسبعة وتمانين وربع وبريزة للسمسار. وبعد برهة قابلته امرأة تحمل مقطفًـا ثقيلاً وتنوء بحمله، وقبل أن يصلها أو تدرك وجوده رفع صوته وقال:
    بسبعة وتمانين وربع وبريزة للسمسار. وقالت المرأة (يه) ثم حثت الخطو وكأنها تهرب من شبح. وعند التابوت كانت جماعة قادمة من طريق التوت بعضها راكب وبعضها ماش، ورفع صوته إلى أقصى ما يستطيع وقال:
    بالذمة والامانة بسبعة وتمانين وربع وبريزة للسمسار. وضحكوا، وقال واحد:
    الناس انهبلت. بينما تخلف ولدان راحا يشبعانه تريقه وسخرية. وعلى مدخل البلدة رأى جاموسة ترعى على حافة " القيد" فصرخ فيها:
    بسبعة وتمانين وربع وبريزة للسمسار. واستدارت الجاموسة ناحيته، ورمقته في بلادة وكسل، ثم عادت تعسعس بشفتيها وأسنانها على الحشيش.
    وحين دخل بلده، كان يصيح، سواء سأله أحد أم لم يسأله، قابل شخصاً أم لم يقابل، يقولها هكذا للزرع وللحيطان، وللحر أو للسما، وللأوز وللجنيه وربع، وللأربعة أشهر والأربعة أولاد والولية، وللبهيمة التي ماتت، وللبقرة التي يسحبها، وللشيخ منصور، ولنفسه، وللدنيا كلها:
    بالذمة والأمانة والديانة، وبكل كتاب انزل، بسبعة وثمانين جنيه وربع وبريزة للسمسار..
    فقط وحصرى لموقع ومنتديات الآعلام التربوى
    ei4eg.yoo7.com
    >>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>



    بيت من لحم


    الخاتم بجوار المصباح . الصمت يحل فتعمى الاذان . فى الصمت يتسلل الاصبع . يضع الخاتم. فى صمت ايضا يطفأ المصباح . والظلام يعم .
    فى الظلام ايضا تعمى العيون. الارملة وبناتها الثلاث. والبيت حجرة. والبداية صمت .
    * * *
    الارملة طويلة بيضاء ممشوقة ، فى الخامسة والثلاثين. بناتها ايضا طويلات فائرات، لا يخلعن الثوب الكاسى الاسود بحداد او بغير حداد . صغراهن فى السادسة عشرة وكبراهن فى العشرين .. قبيحات ورثن جسد الاب الاسمر الملئ بالكتل غير المتناسقة والفجوات ، وبالكاد اخذن من الام العود .
    الجحرة ، رغم ضيقها تسعهن فى النهار . رغم فقرها الشديد مرتبة انيقة ، يشيع فيها جو البيت وتحفل بلمسات الاناث الاربع . فى الليل تتناثر اجسادهن كأكوام من لحم دافئ حى ، بعضها فوق الفراش ، وبعضها حوله ، تتصاعد منها الانفاس حارة مؤرقة ، احيانا عميقة الشهيق .
    الصمت خيم مذ مات الرجل ، والرجل مات من عامين بعد مرض طويل . انتهى الحزن وبقيت عادات الحزانى وابرزها الصمت .. صمت طويل لا يفرغ اذ كان فى الحقيقة صمت انتظار فالبنات كبرن والترقب طال والعرسان لا يجيئون . ومن المجنون الذى يدق باب الفقيرات القبيحات ، وبالذات اذا كن يتامى ؟ . ولكن الامل بالطبع موجود ، فلكل فولة كيال ولكل بنت عدلها . فاذا كان الفقر هناك فهناك دائما من هو افقر ، واذا كان القبح هناك فهناك دائما الاقبح والامانى تنال .. احيانا تنال بطول البال .
    * * *
    صمت لم يكن يقطعه الا صوت التلاوة … يتصاعد فى روتين لا جدة فيه ولا انفعال . والتلاوة لمقرئ ، والمقرئ كفيف ، والقراءة على روح المرحوم وميعادها لا يتغير .. عصر الجمعة يجئ بعصاه ينقر الباب ، ولليد الممدودة يستسلم ، وعلى الحصير يتربع . وحين ينتهى يتحسس الصندل ، ويلقى بتحية لا يحفل احد بردها ، ويمضى . بالتعود يجئ ..بالتعود يقرأ .. بالعادة يمضى ، حتى لم يعد يشعر به او ينتبه اليه احد ..
    دائم هو الصمت ، حتى وتلاوة عصر الجمعة تقطعه اصبحت وكأنها قطع الصمت بصمت . دائم هو كالانتظار ، كالامل .. امل قليل ولكنه دائم، فهو امل فى الاقل . دائما هناك لكل قليل اقل ، وهن لا يتطلعن لاى اكثر .. ابدا لا يتطلعن .
    يدوم الصمت حتى يحدث شئ .. يجئ عصر الجمعة ولا يجئ المقرئ . فلأى اتفاق مهما طال نهاية وقد انتهى الاتفاق .
    وتدرك الارملة وبناتها الان فقط كنه ما تقدم ، ليس فقط الصوت الوحيد الذى كان يقطع الصمت ، ولكن ايضا الرجل الوحيد الذى كان ولو فى الاسبوع مرة يدق الباب ، بل اشياء اخرى يدركن .. فقير مثلهن هذا صحيح ، ولكن ملابسه ابدا كانت نظيفة ، وصندله دائما مطلى ، وعمامته ملفوفة بدقة يعجز عنها المبصرون ، وصوته قوى عميق رنان .
    والاقتراح يبدأ : لماذا لا يجدد الاتفاق ومنذ الان ؟ ولماذا لا يرسل فى طلبه هذه اللحظة ؟ مشغول ، فليكن ! الانتظار ليس بالجديد . وقرب المغرب يأتى ، ويقرأ وكأنه اول مرة يقرأ ، والاقتراح ينشأ .. لماذا لا تتزوج احداهن رجلا يملأ علينا بصوته الدار ؟ هو اعزب لم يدخل دنيا ، وله شارب اخضر ، ولكنه شاب . وبالكلام يجر الكلام ، ها هو الاخر يبحث عن بنت الحلال .
    البنات يقترحن والام تنظر فى وجوههن لتحدد من تكون صاحبة النصيب والاقتراح . ولكن الوجوه تزور مقترحة – فقط مقترحة – قائلة بغير الكلام : أنصوم ونفطر على أعمى ؟ هن مازلن يحلمن بالعرسان ، والعرسان عادة مبصرون ، مسكينات لم يعرفن بعد عالم الرجال ، ومحال أن يفهمن أن الرجل ليس بعينيه .
    - تزوجيه انت يا أماه .. تزوجيه
    - انا ؟ يا عيب الشوم ! .. والناس ؟
    - يقولون ما يقولون .. قولهم اهون من بيت خال من رنين صوت الرجال .
    - أتزوج قبلكن ؟ مستحيل
    - اليس الافضل ان تتزوجى قبلنا ، ليعرف بيتنا قدم الرجال فنتزوج بعدك ؟ تزوجيه يا اماه
    وتزوجته .. زاد عدد الانفس واحدة ، وزاد الرزق قليلا ، ونشأت مشكلة اكبر .
    الليلة الاولى انقضت وهما فى فراشهما ، هذا صحيح ولكنهما حتى لم يجسرا على الاقتراب .. ولو صدفه ! .. فالبنات الثلاث نائمات ، ولكن من كل منهن ينصب زوج من الكشافات المصوبة بدقة الى المسافة الكائنة بينهما .. كشافات عيون ، وكشافات آذان ، وكشافات احساس . البنات كبيرات ، عارفات ومدركات ، والحجرة كأنما تحولت بوجودهن الصاحى الى ضوء نهار . ولكن بالنهار لم تعد ثمة حجة ، وواحدة وراء الاخرى تسللن ولم يعدن الا قرب الغروب ، مترددات خجلات يقدمن رجلا ويؤخرن رجلا ، حتى يزددن قربا وحينذاك يدهشهن .. يربكهن .. يجعلهن يسرعن ضحكات .. قهقهات رجل تتخللها سخسخات امراة .. امهن لابد تضحك ، والرجل الذى ما سمعنه الا مؤدبا خاشعا ها هو يضحك ! بالاحضان قابلتهن ولا تزال تضحك ، راسها عار وشعرها مبلل ممشط ولا تزال تضحك ، وجهها .. ذلك الذى ادركن للتو انه كان مجرد فانوس مطفأ عشعش فيه العنكبوت والتجعيدات ، فجأة انار ، ها هو امامهن كلمبة الكهرباء مضئ . ها هى عيونها تلمع وقد ظهرت وبانت وتلألأت بالدمع الضاحك .. تلك التى كانت مستكنة فى قاع المحجر .
    الصمت تلاشى واختفى تماما ، على العشاء وقبل العشاء وبعد العشاء نكت تترى واحاديث وغناء ! صوته حلو وهو يغنى ويقلد ام كلثوم وعبد الوهاب ، صوته عال اجش بالسعادة يلعلع .
    خيرا فعلت يا اماه ! وغدا تجذب الضحكات الرجال ، فالرجال طعم الرجال .
    نعم يا بنات ، غدا يجئ الرجال ويهل العرسان . ولكن الحق ان ما اصبح يشغلها ليس الرجال او العرسان ولكنه ذلك الشاب كفيف فليكن ، فما اكثر ما نعمى عن رؤية الناس لمجرد انهم عميان . هذا الشاب القوى المتدفق قوة وصحة وحياة ، ذلك الذى عوضها عن سنين المرض والعجز والكبر بغير أوان .
    الصمت تلاشى وكأن الى غير رجعة ، ضجيج الحياة دب . الزوج زوجها وحلالها وعلى سنة الله ورسوله ، فماذا يعيب ؟ وكل ما تفعله جائز ، حتى وهى لم تعد تحفل بالمواربة او بكتمان الاسرار . حتى والليل يجئ وهم جميعا معا ، فيطلق العقال للارواح والاجساد، حتى والبنات مبعثرات متباعدات يفهمن ويدركن وتتهدج منهن الانفاس والاصوات ، مسمرات فى مراقدهن يحبسن الحركة والسعال .. تظهر الاهات فجأة فتكتمها الاهات .
    كان نهارها "غسيل " فى بيوت الاغنياء ، ونهاره قراءة فى بيوت الفقراء ، ولم يكن من عادته اول الامر ان يؤوب الى الحجرة ظهرا ، ولكن لما الليل عليه طال والسهر اصبح يمتد ، بدأ يؤوب ساعة الظهر يريح جسده ساعة من عناء ليل ولى واستعدادا لليل قادم . وذات مرة بعدما شبعا من الليل وشبع الليل منهما ، سألها فجأة عما كان بها ساعة الظهر، ولماذا هى منطلقة تتكلم الان ومعتصمة بالصمت التام ساعتها ؟ ولماذا تضع الخاتم العزيز عليه الان – اذ هو كل ما كلفه الزواج من دبلة ومهر وشبكة وهدايا – ولماذا لم تكن تضعه ساعتها؟
    كان ممكنا ان تنتفض هالعة واقفة صارخة . كان ممكنا ان تجن . كان ممكنا ان يقتله احد . فليس لما يقوله الا معنى واحد ، ما اغربه وابشعه من معنى !
    ولكن غصة خانقة حبست كل هذا وحبست معه انفاسها .. سكتت . بآذانها التى حولتها الى انوف وحواس وعيون راحت تتسمع وهمها الاول ان تعرف الفاعلة . انها متأكدة لامر ما انها الوسطى . ان فى عينيها جرأة لا يقتلها الرصاص اذا اطلق .. ولكنها تتسمع الانفاس الثلاثة تتعالى عميقة حارة كأنها محمومة .. ساخنة بالصبا تجأر ، تتردد ، تنقطع ، احلام حرام تقطعها .. انفاس باضطرابها تتحول الى فحيح .. فحيح كالصهد الذى تنفثه اراض عطشى ، والغصة تزداد عمقا واحتباسا . انها انفاس جائعات ما تسمع، بكل شحذها لحواسها لا تستطيع ان تفرق بين كومة لحم حى ساخنة مكتومة وكومة اخرى . كلها جائعة ! كلها تصرخ وتئن ، وانينها يتنفس ليس انفاسا ، ربما استغاثات . ربما رجوات .. ربما ما هو اكثر .
    غرقت فى حلالها الثانى ونسيت حلالها الاول .. بناتها ! والصبر اصبح علقما ، وحتى سراب العرسان لم يعد يظهر . فجأة ملسوعة ها هى كمن استيقظ مرعوبا على نداء خفى .. البنات جائعات ! الطعام حرام صحيح ولكن الجوع احرم .. ابدا ليس مثل الجوع حرام ! انها تعرفه .. عرفها ويبس روحها ومص عظامها ، وتعرفه – وشبعت ما شبعت – مستحيل ان تنسى مذاقه .
    جائعات وهى التى كانت تخرج اللقمة من فمها لتطعمهن … هى التى كان همها حتى لو جاعت ان تطعمهن ، هى الام ، انسيت ؟
    والح مهما الح تحولت الغصة الى صمت. الام صمتت ومن لحظتها لم يغادرها الصمت .
    وعلى الافطار كانت – كما قدرت تماما- الوسطى صامتة
    وعلى الدوام ظلت صامتة
    والعشاء يجئ والشاب – سعيدا وكفيفا ومستمتعا – ينكت لا يزال و يغنى ويضحك ولا يشاركه الضحك الا الصغرى والكبرى فقط .
    ويطول الصبر ويتحول علقمه الى مرض ولا احد يطل .
    وتتأمل الكبرى ذات يوم خاتم امها فى اصبعها وتبدى الاعجاب به ، ويدق قلب الام وتزداد دقاته وهى تطلب منها ان تضعه ليوم ، لمجرد يوم واحد لا غير . وفى صمت تسحبه من اصبعها . وفى صمت تضعه الكبرى فى اصبعها المقابل .
    وعلى العشاء التالى تصمت الكبرى وتأبى النطق
    والكفيف الشاب يصخب ويغنى ويضحك، والصغرى تشاركه
    ولكن الصغرى تصبح – بالصبر والهم وقلة البخت – اكبر ، وتبدأ تسأل عن دورها فى لعبة الخاتم ، وفى صمت تنال الدور .
    والخاتم بجوار المصباح … الصمت يحل فتعمى الآذان . وفى الصمت يتسلل الاصبع صاحب الدور ويضع الخاتم فى صمت ايضا ويطفئ المصباح والظلام يعم ، وفى الظلام تعمى العيون . ولا يبقى صاخبا منكتا مغنيا ، الا الكفيف الشاب .فوراء صخبه وضجته تكمن رغبة تكاد تجعله يثور على الصمت وينهال عليه تكسيرا . انه هو الاخريريد ان يعرف .. عن يقين يعرف . كان اول الامر يقول لنفسه انها طبيعة المرأة التى تأبى البقاء على حال واحد ، فهى طازجة صابحة كقطر الندى مرة ، ومنهكة مستهلكة كماء البرك مرة اخرى . ناعمة كملمس ورق الورد مرة . خشنة كنبات الصبار مرة اخرى . الخاتم دائم وموجود صحيح ،ولكن وكأنما الاصبحع الذى يطبق عليه كل مرة اصبع انه يكاد يعرف، وهن بالتأكيد كلهن يعرفن، فلماذا لا يتكلم الصمت ؟ لماذا لا ينطق ؟
    ولكن السؤال يباغته ذات عشاء، ماذا لو نطق الصمت ؟ ماذا لو تكلم ؟
    مجرد التساؤل اوقف اللقمة فى حلقه
    ومن لحظتها لاذ بالصمت تماما وابى ان يغادره
    بل هو الذى اصبح خائفا ان يحدث المكروه مرة ويخدش الصمت . ربما كلمة واحدة تفلت فينهار لها بناء الصمت كله ، والويل له لو انهار بناء الصمت
    الصمت المختلف الغريب الذى اصبح يلوذ به الكل
    الصمت الارادى هذه المرة ، لا الفقر ، لا القبح ، لا الصبر ولا اليأس سببه .
    انما هو اعمق انواع الصمت ، فهو الصمت المتفق عليه اقوى انواع الاتفاق ، ذلك الذى يتم بلا اى اتفاق
    * * *
    الارملة وبناتها الثلاث
    والبيت حجرة
    والصمت الجديد
    والمقرئ الكفيف الذى جاء معه بذلك الصمت ، وبالصمت راح يؤكد لنفسه ان شريكته فى الفراش على الدوام هى زوجه وحلاله وزلاله وحاملة خاتمه ، تتصابى مرة او تشيخ ، تنعم او تخشن ، ترفع او تسمن ، هذا شأنها وحدها ، بل هذا شأن المبصرين ومسئوليتهم وحدهم ! هم الذين يملكون نعمة اليقين ، اذا هم القادرون على التمييز . واقصى ما يستطيعه هو ان يشك ، شك لا يمكن ان يصبح يقينا الا بنعمة البصر ، ومادام محروما منه فسيظل محروما من اليقين ، اذ هو الاعمى ، وليس على الاعمى حرج
    ام على الاعمى حرج ؟

    على فتحى
    على فتحى
    نائب المدير العام
    نائب المدير العام


    تاريخ الميلاد : 24/07/1984
    النوع : ذكر

    مجموعة قصص قصيرة ليوسف أدريس  Takrim
    العمر : 39
    عدد المساهمات : 2769

    الاسد

    مجموعة قصص قصيرة ليوسف أدريس  Empty رد: مجموعة قصص قصيرة ليوسف أدريس

    مُساهمة من طرف على فتحى الجمعة أكتوبر 01, 2010 6:43 pm


    مجموعة قصص قصيرة ليوسف أدريس  I346017713627586
    مجموعة قصص قصيرة ليوسف أدريس  2236611269702456
    مشكور جدا مجموعة قصص قصيرة ليوسف أدريس  579156
    على الموضوع الرائع والمتميز
    نتمنى منكم الابداع والتواصل دائما

    مجموعة قصص قصيرة ليوسف أدريس  Domain1d762bc30c
    مجموعة قصص قصيرة ليوسف أدريس  500image








      الوقت/التاريخ الآن هو الخميس مايو 02, 2024 9:44 pm