وأصحاب الفريق الأول يرون في البث الوافد غزواً ثقافيا للأسباب الآتية:
[1]- مواد البث الوافد تعمل علي إشاعة الميول الاستهلاكية والرغبة في التقليد والمباهاه. (عبد الرحمن الميداني ، 1990) .
2- مواد البث الوافد تحمل قيم وعادات وتقاليد مغايرة تماما لواقعنا العربي ، والأكثر من ذلك أنها تهدد باختراق ثقافتنا العربية .
(عماد الدين خليل ، 1991) .
3- جذب اهتمام المشاهدين في تقديم الأخبار بعيداً عن المجري الحقيقي للأحداث بغرض التشويق والإثارة والملاحقة . (غالي شكري ، 1992) .
4- تأكيد نزعة الغلبة للأقوى ، وذلك نتيجة الإمكانات العلمية والتقنية التي وفرت للدول الكبرى قدرات هائلة علي السيطرة والهيمنة علي صناعة الفكر وتوجيه الكلمة ، والتحكم في تدفق المعلومات وانسياب الآراء . (نبيه عبد الحليم متولي ، 1992) .
5- تشكيل العقول والتلاعب باتجاهات الرأى العام ، وتوجيه رغبات الناس بما يتفق مع سياسات ومصالح أصحاب هذه المحطات .
(أحمد عبد الرحيم السايح ، 1994) .
6- الشعور بالدونية إزاء ما يراه المشاهد من مظاهر التفوق الباهر في المجتمعات المتقدمة ، وما لذلك من أثر في تثبيط الهمم والعزائم والرضا
التبعية . (محمد سيد محمد، 1994) .
7- طغيان الحياة المادية ، حيث أن الاعتماد علي العلمية وحدها أدي إلى طغيان الاعتبارات المادية الكامنة في التقنية والموارد الشيئية ، وقد ترتب علي ذلك أن حدث طغيان علي روح الإنسان المتطلعة بطبيعتها والحرة في تلقائيتها وفي تفردها. (حامد عمار ، 1995 ) .
8- حقن الوجدان القومي بقيم ومعايير وسلوكيات قد لا تتفق مع الثقافة التقليدية ، الأمر الذي يهدد النسيج الاجتماعي . (يوسف خليفة غراب ، 1995) 9- إشاعة أنماط سلوك غير مرغوبة ، لا تلائم المجتمعات النامية المحتاجة إلى توفير ضرورات الحياة لشعوبها ومنها مجتمعنا . (جابر طلبة ، 1994) 10- كما أن مواد البث المباشر تثبت أفكار ذات تأثير مباشر علي هويتنا وانتمائنا وقيمنا الدينية وتراثنا . (حسن نفعة ، 1996 ) .
أما أصحاب الفريق الثاني يرون البث الوافد يمثل احتكاكاً واتصالاً للأسباب التالية :
1- مواد البث الوافد تساعد علي التعرف علي الثقافات العالمية بطريق مباشر وغير مباشر ، ومنها اكتساب معلومات وخبرات علمية وفنية مرغوبة يصعب الحصول عليها بغير البث المباشر . (أحمد عبد الحليم عطيه ، 1993) .
2- كما يؤدي هذا البث إلى زيادة الوعي بحياة الشعوب والمجتمعات والأمم المتقدمة خاصة ، وكذلك تحقيق حرية الأفراد في الاطلاع علي أخبار العالم وأحداثه مصورة في مواقعها وفي أوقات حدوثها . (هيام الملقى، 1995) .
3- فتح الطريق أمام التواصل الثقافي بين أطراف العالم ، حيث أن التواصل السريع بين أطراف العالم في عصر الثورة التكنولوجية الثالثة قد أدي إلى التلاقي بين الثقافات المختلفة علي نحو لم يتحقق من قبل مما كان له أثره الفعال في نمو الذاتية الثقافية المتميزة . (محمد شومان ، 1995) .
4- اختفاء فكرة السيادة الإعلامية التي كانت تتمسك بها الدول ، الأمر الذي سوف يثير قلق الحكومات الاستبدادية والنظم العنصرية ، لأنه يتضمن مزيداً من الدعوة إلى التحرر والانطلاق ، كما يزود الناس بالمزيد من المعلومات التي تساعدهم علي حرية الاختيار . (مصطفى الفقي ، 1994) .
5- تزايد حرية الإعلام والاتصال نتيجة الثورة الديمقراطية ، إذ أصبحت هذه الحرية من أكثر قوي صياغة المجتمع والتأثير في صناعة القرار ، وتجييش الرأي العام عند صياغة السياسات ، خاصة إذا تعلق الأمر بالصحافة الإلكترونية صاحبة القوي في التأثير المباشر .
(منى السيد حافظ ، 1994) .
6- تطوير وسائل الاتصال المحلية وبالذات التليفزيونية ، حيث تفرض عليه المنافسة مع القنوات العالمية ضرورة تحديث أساليبها .
(عرفة عبده علي ، 1990) .
7- تنمية التفكير الإبداعى وشق القدرات المؤهلة له . (تهاني حسن الكيال، 1997) .
8- التحول نحو الديمقراطية ، فلقد أدت ثورة الاتصال إلى الانفتاح علي العالم ومكاشفة المجتمعات بركائز النهضات الحديثة وأهمها ركيزة الديمقراطية . (محمد بن عروس، 1998) .
9- تجديد الثقافة الوطنية الراكدة في بعض الأحيان ، بتطعيمها بنماذج وتطلعات عصرية جديدة تتعلق بالإبداع والأداء الرفيع والإيقاع السريع ، مع تشجيع التبادل الحضاري ونشر التسامح الثقافي بين الأمم والشعوب . (عبد الحميد أبو سليمان ، 1990) .
10- تضاعف المعرفة الإنسانية بسرعة مذهلة ، مما أدي إلى سيادة العمل العقلي نتيجة الاعتماد علي التطورات التكنولوجية المتلاحقة في مجال المعلومات "الكمبيوتر – الاتصالات" .
وبعد هذا الطرح لقضية البث الوافد رأينا كيف انقسم العلماء والمثقفون والكتاب والدارسين إلى فريقين : فريق يري أن البث الوافد يعتبر غزواً ثقافيا ، بل ويعتبر هذا الغزو حقيقة مجسدة وعلى النقيض تماماً وجدنا فريق ينكر وجود هذا الغزو ويري أنه من الأفضل أن نسميه احتكاك واتصال ثقافي . (مصطفى الفقي، 1994) .
علي أي حال ، بعد أن عرضنا تدليل كل منهم علي رأيه ، يجب أن نعرض الكيفية التي يتم بها حدوث هذا الأثر سواء كان هذا الأثر غزواً ثقافيا أم اتصالا ثقافيا .
أولا : الرؤى ووجهات النظر التي تري في مواد البث الوافد غزواً ثقافياً :
وسوف يتم تناول هذا المطلب من خلال ثلاث نقاط مهمة :
1) العلاقة الارتباطية بين البث الوافد والغزو الثقافي :
إن الدول المتقدمة نجحت في إغراق أسواق الدول النامية بالآلاف من الكتب والمجلات والصحف التي تمجد قيم الغرب مثل الفردية والعنف الغريزي وعدم المسئولية أمام المجتمع ، وهناك أشكال أخري للغزو الثقافي تتم بشكل غير مباشر عبر وسائل الإعلام والثقافة تتمثل في برامج الإذاعة والتليفزيون السياسية والاجتماعية والترفيهية والتثقيفية فضلاً عن الأفلام السينمائية والمسرحيات .
ومع هذا البث سوف تكون بلادنا مستهدفة لزحف فكري جديد من جانب الدول التي تملك الأقمار الصناعية ، وهو الزحف الذي يستهدف تدمير الذاتية الثقافية للمجتمعات المحلية وفرض هيمنة الثقافة الغربية (عبد الفتاح عبد النبي ، 1990 ، 143 ) . وأننا لمحاصرون اليوم بين القنوات الأجنبية والإنتاج الأجنبى ، وما يأتينا عن طريق الأقمار الصناعية علي وجه الخصوص ، الأمر الذي أدي إلى تحويل شبابنا إلى شباب بلا قضية فيتحولون إلى السلبية واللامبالاة وفقدان المعني والبعد عن الواقع والشعور بالاغتراب (عبد المجيد شكري ،1995 ، 52) .
وليست الأفلام والمسلسلات وما تعرضه من أفلام مثيرة للغرائز ومشجعة علي العنف والسطو والانحراف ، وتؤكد كلها القيم الفاسدة وتتحدي بها سلطة الآباء والأمهات وسلطة المربين والقائمين بأمر التعليم ليس ذلك كله إلا صورة من صور المحاولة المستميتة لتغريب الحياة الاجتماعية في المجتمعات المسلمة ، الأمر الذي يؤدي حتماً إلى تعميق الشعور بالاغتراب عن القيم الثقافية بأشكاله المختلفة . (علي عبد الحليم محمود ، 1991 ، 134 : 135) . علماً بأن الأسلوب والكيفية التي تعرض بها الأفلام والمسلسلات من خلال الشاشات التليفزيونية تنحدر بكثير من القيم الإنسانية لنفوس المراهقين نحو مخاطر الانحراف ، وكثيرا من مظاهر انحراف المراهقين يرتكبونها حباً في تقليد أبطال الفيلم أو المسلسل ، الأمر الذي ينعكس حتمـاً علي هوية المراهق ويسبب فقدانهـا ومـا يترتب عليـه مـن اغتراب ثقافـي . (عليـاء رمضان،1999)
ولذا تتمثل احتمالات الضرر مما ينشره البث المباشر من مواد ثقافية في إشاعة أنماط السلوك غير المرغوبة ، بالإضافة إلى أن هذه المواد الثقافية تبث أفكاراً ذات تأثير مباشر أو غير مباشر علي هويتنا وانتمائنا وقيمنا الثقافية وتراثنا ، ثم أن هناك احتمالات الشعور بالعجز والإحباط والدونية إزاء ما يراه المشاهد من مظاهر التفوق الباهر في المجتمعات المتقدمة ، وما لذلك من أثر في تثبيط الهمم والعزائم والرضا بالتبعية
(المجالس القومية المتخصصة ،1995 ، 50 ) ومع التسليم بصحة نتائج دراسات أجريت في الخارج حول تأثير البرامج الوافدة في كلاً من كوبا وكندا علي سبيل المثال ، ومن متابعة ما يناقش في المؤتمرات وما ينشر في الصحف والمجلات عن بعض ما يبث عبر الأقمار الصناعية ، نجد أن الهدف الأساسى من وراء ذلك البث الوافد يكمن في التبعية الثقافية الغربية ورفض الثقافة العربية ، والشعور بالاغتراب وفقدان الذات ومحو الهوية ، ويرتبط بذلك الشعور بالوحدة والخوف وعدم الإحساس بتكامل الشخصية (عبد القادر طاش ، 1991) وعلي هذا فان مصر شأنها شأن بلدان العالم الثالث تواجه هجوماً أو غزوا ثقافيا وإعلاميا متعدد الجوانب من شأنه الإغراق في قيم اجتماعية وثقافية غير ملائمة ، كما أنه يؤدي بوعي أو بدون وعي إلى الإحساس بالاغتراب الثقافي والسلبية والهروب من التصدي لواقع الحياة ، وبذلك فإن قضية الغزو الثقافي أصبحت اليوم من أشد القضايا خطراً علي عقول كثير من المثقفين وكانت وسيلته في ذلك الاختراق الثقافي (سليمان الخطيب، 1991 ، 122) وعلى هذا فإن الاختراق الثقافي يساعد علي نشر أفكار ومعتقدات تؤدي إلى تعميق الاغتراب الثقافي ، وفقدان الخصائص القومية المميزة لثقافات الشعوب التي تتعرض وتستجيب لهذه التأثيرات (عدنان الدبسي، 1998) .
2) العلاقة الوظيفية بين الغزو الثقافي والتغريب الثقافي :
وبعد أن سلكنا مسلكا علي سبيل الملاحظة لما يبثه إعلام الحضارة الغربية المعاصرة وما تتيحه هذه الحضارة من إنتاج ثقافي ، ووجدنا أنه تعبير عن قيم وعن سلوك تشق طريقها إلى الدول النامية من خلال ما يسمي بالغزو الثقافي . (محمد سيد محمد، 1994، 151) والذي من خلاله يسهل تغريب الحياة الاجتماعية وما يسودها من قيم خلقية وآداب سلوكية وما يحيط من عادات وتقاليد وأعراف . أي أن الغزو الثقافي هدفه الاسمي تغريب الأفراد عن عاداتهم وتقاليدهم وأعرافهم وقيمهم وآدابهم أو بالأحرى اقتلاع كل هذه الأشياء من نفوس أصحابها وحامليها .
إن أفضل ما نستهل به مناقشة ديناميات التغريب هو القول بأن التغريب شكل محدد من أشكال التغير الثقافي ، وبما أن التغير الثقافي هو " العملية التي من خلالها تتغير العناصر المادية والأساليب الفنية والتنظيم والاتجاهات والقيم والمفاهيم ووجهات النظر في ثقافة ما ، نتيجة الاتصال بين حاملي هذه الثقافة وحاملي ثقافة أخري مختلفة" وعلي هذا فإن التغريب هو " التغير الذي يحدث في أي مجتمع غير غربي ، تحت تأثير الاتصال بجماعات أو أفراد غربيين" أي أنه - التغريب - العملية الثقافية التي من خلالها يتبنى المجتمع أو جزء منه الثقافة الغربية كلية أو جزئية " وتتضمن هذه العملية نبذ عناصر ومركبات من الثقافة التقليدية كي يحل محلها عناصر ومركبات ثقافية غربية (كمال التابعي ،1993 ، 173 ) .
وينشأ عن ذلك إحساس عميق بالدونية نابع من حاملي الثقافة التقليدية تجاه حاملي الثقافة الغربية (سليمان الخطيب، 1991، 7) . وللتغريب أسماء أخرى مثل الحداثة، أو المعاصرة، أو التطوير، أو نبذ القديم لغة وتراثا ودينا وقيما وأخيرا النظام العالمي الجديد الذي تبنته أمريكا وتستخدم فيه دول الغرب (علي عبد الحليم محمود، 1991،28:31) .
إن العالم العربي يمر بمحنة حضارية لم يرها طوال تاريخه تمثلت في تغريب الواقع المصري ، وظهرت هذه القضية في أروقة الجامعات وصفحات الصحف ودواوين الحكومة ، ومن ذلك نري أثر التغريب من خلال ترويج الفكر الغربي والثقافة الغربية ، وذلك من خلال السيطرة علي التعليم والسيطرة علي الإعلام ، والمعروف لكل إنسان
أن السيطرة علي التعليم والإعلام هي السيطرة علي الفكر والثقافة (علي عبد الحليم محمود، 1991 ، 28 : 31) .
ومنذ نشأه التعليم الأجنبى في مصر وهناك حرص شديد للقائمين علي أمر المدارس الأجنبية كأحد الأدوات للتغريب الثقافي ، وطرح الثقافة الغربية ونمط الحياة الأوربية كنموذج تحتذي به البلدان النامية ( كمال نجيب ، شبل بدران، 1991 ، 43 : 44 ) .
كما يظهر أثر التغريب من خلال زعزعة الولاء للغة العربية بادعاء صعوبة قواعدها وإشاعة العامية والكتابة بها ، وتبسيط قواعد اللغة إلى حد الإفساد ومحاولة إحلال لغات أجنبية محل الفصحى ، ويظهر أثر التغريب أيضا في الضربة القاسية التي وجهت إلى المجتمع المصري في عاداته وتقاليده وآدابه العامة ، حيث حاول الأعداء من خلال ذلك أن يغربوا مجتمعنا وأن يسعوا به في الطريق الذي يذيب كيان هذه المجتمعات ويلقي بها ضحية مسلوبة الإرادة في أحضان الحضارة الغربية ( نفس المرجع السابق ) وهكذا فإن أحد النتائج المبكرة للتغريب هو إصابة التوازن الاجتماعي بالاضطراب والخلل (كمال التابعي ، 1993 ، 183 ) .
وعلي هذا فإن التغريب حملة خطط لها بذكاء والهدف منها تغريب الواقع المصري بتحويل ولاء المصريين للغرب ونمطه وعاداته وتقاليده .
ومن خلال ما سبق استطعنا أن ندرك مظاهر الغزو الثقافي ، وقد تجسدت في حملات التغريب للواقع المصري كتغريب التعليم والثقافة ، والنظم الاجتماعية والسياسية والاقتصادية ، وتغريب الأخلاق والآداب ، ثم تكون قمة التغريب بتغريب اللسان لقطعه عن اللغة العربية الفصحى " لغة القرآن ". وإذا كان الغرب نفسه يخشى من الغزو الثقافي وما ترتب عليه من تغريب فإننا أولي أن نخشى الغزو والتغريب والتذويب ، وأن نعمل علي حماية أنفسنا ضد كل أشكال التغريب الثقافي ، ولكن ما هي طبيعة الأسباب والقوي التي مكنت الثقافة الغربية في مواقف اتصال عديدة من أن تسود وتسيطر وجعلت الثقافة التقليدية تخضع وتقبل . ( كمال التابعي ، 1993 ، 175 ) .
ولكننا في حقيقة الأمر لا نجد إجابات شافية في التراث السوسيولوجي المتاح عن هذا التساؤل وذلك لأن التغريب كان هدفه الأساسى التبني الكامل للقيم الأخلاقية والاجتماعية والسياسية للمدنية الغربية (نفس المرجع السابق) .
ولنتساءل مرة أخري هل لنا في محاولة لتحليل دور الاستعمار في فرض ثقافته؟ مع بيان دور المتلقي المغترب وموقفه من هذا الوافد الثقافي أو بالأحرى الغزو الثقافي ؟ وكيف يمكن فهم نفسية المغترب ومنهجه الاستلابي أمام هذا الوافد .
ثانياً : الرؤى ووجهات النظر التي تري في مواد البث الوافد اتصالاً ثقافياً :
ويمكن تناول هذا المطلب من خلال أربع نقاط مهمة .
1- ضرورة الاتصال الثقافي :
إن التلاقي والاختلاط الثقافي لصالح ثقافتنا وليس ضدها ، ذلك أن الثقافات الغربية تتميز حالياً بجانبها العقلي في ميادين العلم والتكنولوجيا ، وقدم لأصحاب هذه الثقافات منجزات سهلت عليهم الكثير من أمور حياتهم (محمد احمد خلف الله ، مرجع سابق ، 10 ) وقد اتجهت أمم كثيرة للانفتاح علي الغرب وحافظت مع ذلك علي خصوصيتها الثقافية وأقرب مثال علي ذلك اليابان والصين والهند .
وكشف باتي patai علي أن إدخال أي عنصر من عناصر الثقافة الغربية إلى ثقافة تقليدية غير غربية يواكبه حتماً عناصر جديدة وتغيرات كثيرة ينجم عنها اضطرابات خطيرة في الثقافة التقليدية (كمال التابعي ، 1993 ، 245). وفي ضوء هذه الحقيقية ينبغي علينا عندما نستعير عنصراً ثقافيا من ثقافة خارجية أن يكون هذا العنصر متمشياً مع ثقافتنا وأن نوظفه لخدمة ثقافتنا بشكل يجنبنا أي اضطرابات خطيرة في ثقافتنا ، ولهذا ينبغي علينا أن نشارك في الفكر العالمي كله أيما كان مصدره ندرسه ونتعمقه وننفذ إلى صحيحة ونتمثله . فإذا نبذنا شيئاً ننبذه عن علم عميق وإيمان يقين ، وإذا أخذنا شيئاً نأخذه عن وعى كامل ونقد فاحص وتمثل صحيح ( نفس المرجع السابق ) . ويعني ذلك أن نأخذ ما يتفق وثقافتنا ونترك ما يضرنا ويؤثر علي هويتنا وعاداتنا وتقاليدنا الأصلية .
ومع ما تبديه معظم المجتمعات غير الغربية من انتقادات وتحفظ إزاء القيم وأساليب الفكر الغربي إلا أنها مع ذلك لا تتردد في اقتباس كثير من عناصر الحضارة الأمريكية والأوربية (سمدون حمادي وآخرون ، د.ت 57) .
وعلي هذا فإن الإنماء الثقافي والاتصال الثقافي فرض واجب علي الإنسان اليوم ، ومن هنا يجب أن نعمل على إحياء الثقافة العربية وتطهيرها من الشوائب والتشوهات التي طرأت عليها والاستناد عليها لتدعيم المقاومة المحلية ضد الغزو الثقافي ، فهذه المقاومة هي السبيل الوحيد لاستعادة وعي العرب الأصيل بذاتهم وهي السبيل الوحيد لاستيعاب الحضارة الحديثة لا باعتبارها تقليداً أعمي للغرب وإنما بعد انتزاعها من إطارها القيمي وتكيفها مع القيم العربية ، وهكذا يتسنى للمجتمع المصري أن يساير العصر ويحتفظ بهويته وأصالته في الوقت ذاته .
2- أهمية الانتشار الثقافي :
إن الثقافة هي نتاج الفكر الإنسانى وثمرة العقل البشري وخلاصة تجارب الإنسان في حياته الاجتماعية . ويزعم جليفورد جرتز Gulforf Gerts أن الناس بدون ثقافة هم حيوانات شاذة لا تصلح للعمل ( Brigitte Berger, 1995) ولا يوجد في الوقت الحاضر المجتمع الذي يستطيع أن يستغني عن خبرات غيره ويعيش معتمداً علي نفسه .
ولأن الإنسان يتميز بين الكائنات بأن له ثقافة تحتفظ بنتاج خبراته العقلية وأن ينقلها إلى الآخرين في بيئته عن طريق وسائل الاتصال الرمزي symbolic وأهمها اللغة ، ثم يستطيع أن يربط خبراته هو بتلك التي تنقل إليه بما ييسر له تكوين نتاج مركب جديد . وانطلاقاً من هذا فإن الثقافة تنشأ في مجتمع معين ثم تنتشر إلى المجتمعات الأخرى فيما يسمي بالانتشار الثقافي (نصر محمد عارف، 1994 ، 42) ونستطيع الإفادة من تجارب الآخرين وتطويرها بما يناسب المناخ والواقع المصري (محمد الهادي عفيفي، مرجع سابق، 232) ذلك لأن الانتشار الثقافي يعني انتشاراً لعناصر ثقافة معينه عن طريق نقل عناصر ثقافية من مجتمع أو أكثر إلى مجتمعات أخري بسرعة وفي وقت واحد تقريباً .(James Wcarey, 1992) أي أن هذا الانتشار الثقافي عامل من عوامل التغيير الثقافي وهو يعني استعارة ثقافة لعناصر جديدة من ثقافة أو ثقافات جديدة أخري، والعامل الرئيسى الذي يساعد علي هذا الانتشار الثقافي هو تقبل المجتمع للعنصر الثقافي الجديد (محمد الهادي عفيفي ، مرجع سابق ، 232) وبذلك تحقق الثقافات الأقل انتشاراً تواجدها ، لا أن تسيطر ثقافة معينه علي العالم كله ، وأي ثقافة لها اتجاهات
ومثال ذلك يجب أن تؤثر علي الثقافة الأوربية والأمريكية بقدر تأثيرها علينا حتى لا نفقد هويتنا وذاتيتنا الثقافية ( Essat Ali, 1995 , p 22- 23)
ضرورة الانفتاح الثقافي :
إن التكيف الثقافي هو أحد شعارات مرحلة النظام العالمي الجديد (المجالس القومية المتخصصة 1994 ، 1995 ، 48 : 49) ولكى يتحقق هذا التكيف الثقافي ينبغي أن يكون مستوي التقدم في نتاج ثقافتنا يرقي علي الأقل إلى نظيره في تلك الثقافات ، ويتطلب الارتقاء بنتاج ثقافتنا تربية عقول مفكرة متفتحة وجادة من الأجيال الصاعدة في مجتمعنا يمكنها أن تستفيد من تجارب الثقافات الأخرى ولديها القدرة علي تطويرها والإضافة إليها . ولهذا أصبح الانفتاح الثقافي أمر ضروري لا مفر منه وإغفاله يؤدي إلى عزلة عن الثقافات الأخرى في وقت يعتبر فيه التكاتف والتعاون بين الدول أمراً مصيريا ومطلبا حياتيا لابد من تحقيقية .
وغني عن البيان أن التمايز الحضاري هو موقف مختلف عن الانغلاق أو العداء الحضاري ، فرفض الانفتاح علي الحضارات الأخرى هو موقف ضار فعلا ، فضلا عن أنه غير ممكن في ظروف ثورة أجهزة الاتصال والتواصل التي تزداد فعاليتها في العصر الذي نعيش فيه
( محمد عمارة ، 1993 ، 2 ) .
ويمكن للانفتاح من خلال وسائل الإعلام علي الثقافات الأخرى أن يمثل عامل تحفيز وعامل زعزعة للاستقرار في أن واحد ، فكثير من الناس يشعرون بالقلق من أن تؤدي الصور المنقولة بوسائل الإعلام إلى تقوية الروح الاستهلاكية في المجتمعات المنقولة إليها. (مني الحديدي ، 1995 ، 20) ومن ثم فإن الشمولية الحديثة للحضارة المعاصرة والانفتاح المنضبط تجاهها أمر ضروري للتبادل الحضاري الصحيح ، لأن هذا الفهم هو الذي يمكن من الانتقاء والاستفادة العلمية والفنية الصحيحة دون مساس بالقيم والعقائد والمبادئ والهوية ، ولهذا يجب الحذر من فهم الانفتاح والاقتباس الحضاري علي أنه دعوة إلى الانفتاح والتسيب المطلق أو أنه ذوبان ومتابعة لا حدود لها ، إنه انفتاح وتعامل واع خبير مستقل
(عبد الحميد أبو سليمان، 1990 ، 169 :170).
إن الباحث المتعمق يجد أن المسلمين حين انفتحوا علي الحضارة اليونانية اخذوا منها ما يتفق مع خصوصياتهم الحضارية
( احمد عبد الرحيم السايح، 1994 ) ويشير واقعنا الثقافي في أكثر من مجال إلى أن تحقيق الخصوصية الثقافية لا يتم إلا بالانفتاح علي الحضارات الأخرى ، وعلي هذا فان الانفتاح المنضبط تجاه الحضارة المعاصرة أمر ضروري للتبادل الثقافي ( هيام الملقي ، سابق ، 63 : 64 )
1- ضرورة التبادل الثقافي :
كثيرا ما يقول القائلون إن الثقافة لا تعرف الحدود وأنهم لعلي حق في ذلك ، ولقد عرفت مصر هذه الحقيقية وعملت علي ضوئها ، فقد تركت مصر في مراحل تاريخها الطويل أبوابها ونوافذها مفتوحة علي مصراعيها أمام المؤثرات والتيارات الثقافية .
وتقوم العلاقات الثقافية بين الشعوب علي أساس من الفهم المتبادل تجاه بعضهم البعض، فالتفاهم والتبادل الثقافي القائم علي المعلومات التي ترد إلينا من الخارج لا تستأثر بها الصفوة بل ينالها الجميع (( Davish – Kodyouri , D,J avirmed , 1991 , 4600 وتقوم بهذه المهمة وزارة الثقافة ومؤسساتها المختلفة كالمسرح والسينما والثقافة الجماهيرية وغيرها ، وفي المجتمع الحديث نجد وسائل الاتصال الجماهيرية تلعب دورا مهما في عملية التبادل الثقافي عن طريق طرحها كما هائلا من الثقافات المتنوعة علي المشاهد والمستمع والقارئ ، وبذلك تفتح مجالات عديدة أمام المبدعين وتساعد علي تنمية الثقافة الذاتية للفرد والتي بدورها تلعب دورا مهما في الثقافة الوطنية أو بالأحرى تصبح جزءا من الثقافة الوطنية .
( محمد بن عروس ، 1998 ، 9 ) هذا وقد انبثق عن برنامج اليونسكو إنشاء مراكز إقليمية عديدة من بينها في القاهرة ما يسمي بمركز القيم الثقافية بين الشرق والغرب عام 1963 ، وأسهمت اليونسكو في تمويل أنشطته لفترة عشر سنوات وتضمن برنامج نشاطه ترجمة عدد من المؤلفات التي تبرز دور الثقافة المصرية أو تعكس موقفها من بعض القضايا المهمة إلى بعض اللغات الأوربية (حسن نافعة، 1996 ، 22 9) والتبادل الثقافي يقوم علي قوة المعلومات والمثاقفة من كلا الطرفين حتى لا تضعف الثقافة الأجنبية الثقافة الوطنية (davish , kodyour opcit , p 600 ) ولقد حرصت مصر علي أصالتها وهويتها رغم تعرضها للغزوات مرات كثيرة في مراحل تاريخها ، وكانت مرونة الذات المصرية ورحابة افقها يتيحان لمصر انتقاء ما يلائمها من صفوة حضارة الآخرين وثقافتهم ، دون أن يخل هذا الانتقاء بأمنها الثقافي الذي حرصت عليه حرصها علي أمن الأرض والبشر ، بل كان انتقاؤها خير ما عند الآخرين من عوامل اتساع ثقافتها وزيادة عمقها ومن ثم أمنها وأمانيها
(تقرير المجلس القومي للثقافة والفنون والإعلام ، 1993 ، 1994 ، 47 ) .
ونحن نتفق مع هؤلاء الباحثين في أن نستفيد من حضارة الغرب وننهل منها لكن ما يتناسب مع أصالتنا وقيمنا ، وأن يتم النهل أو الاقتباس بشكل إرادى واعى وعن طريق الانتقاء لما يلائمنا فنأخذ ما نراه أوفق لنا وندع غيره ، ونضع ما نقتبسه في مكانه الصحيح من حياتنا ، مع التيقن أن الاقتباس يتم لمصلحة المقتبس لا لترسيخ قيم المقتبس عنه كي لا يتمكن منا كما يأمل الاستعمار الثقافي ، وذلك من منطلق أن الحضارة الإنسانية الحالية ليست ملكاً لشعب بعينه بل أنها إرث الإنسانية جمعاء ، وقد ساهمنا فيها وساهم غيرنا فيها لكننا نفرق بين حضارة عطاء إنسانى وحضارة استبداد واستغلال واستلاب واغتصاب لعقول الآخرين وتمزيق لهوية الآخرين الثقافية ، ثم نقول لهؤلاء الذين يركزون علي أن البث الإعلامى الفضائي وسيلة للتبادل الحضاري والعلمي والثقافي . هل من العدالة والحضارة أن يكون البث الإعلامى المعلوماتي والأخبارى لا متوازن ، وباتجاه واحد ، وبمضامين منتقاة موجهه إلى شعوب بعينها ، وبشكل سلبي مما يجعلها فريسة سهلة لهذا الإعلام ؟
علي أية حال فإنه لا خوف علي الإطلاق مما يوصف بأنه غزو ثقافي أو اختراق إعلامى ، ما دمنا نحصن أنفسنا بالتعليم والتثقيف ونحرر برامجنا الإعلامية ونتوسع فيها ونيسر توصيلها إلى جميع قطاعات الشعب .
ولكن ليس معني ذلك أن نصم آذاننا عن الثقافات الوافدة ، بل لابد أن يكون لنا موقف منها حينما نري أنها تؤثر في ذاتيتنا الثقافية ، ومن هنا علينا أن نلتمس الوسائل الكفيلة باتقاء الشر قبل وقوعه ، ولكن ماذا نستطيع أن نفعله إزاء ما يفرض علينا فرضا عن طريق الأقمار الصناعية ؟وكيف نحمى أبنائنا وبناتنا منه ، ليس أمامنا إلا المزيد من ثقافتنا الأصيلة وقيمنا التى تحصننا ضد أي غزو ثقافي ؟ ثم علينا أن نرتفع بمستوي المادة الثقافية الإعلامية التي يتعرض لها المراهقون من خلال وسائل الإعلام ، ومن ثم يكون ذلك هدفا أساسيا استراتيجيا في السياسة الثقافية والإعلامية للإنسان .
الخلاصة
تناولت الباحثة في هذا الفصل تكنولوجيا الاتصال الحديثة وأثرها على القيم الثقافية وما أفرزته تكنولوجيا الاتصال من عولمة ثقافية وأثرها على القيم الثقافية .
وأخيرا أثر كل من تكنولوجيا الاتصال الحديثة والعولمة الثقافية على الثقافة المصرية وتوصلت الباحثة إلى التطورات التكنولوجية وما تبعها من عولمة ثقافية أدت إلى تغيرات قيمية واسعة في شتى مجالات الحياة الاجتماعية والثقافية والدينية والسياسية والتي أدت بدورها إلى صراع القيم بين مختلف الحضارات والثقافات .
كما أنها أدت إلى خلق ثقافة عالمية ، وفي هذا المجال بالذات تثار مخاوف شتى عن تهديد هذه الثقافة العالمية للخصوصيات الثقافية .
وتتمثل احتمالات الضرر مما ينشره البث المباشر من مواد ثقافية في إشاعة أنماط السلوك غير المرغوبة ، حيث أن هذه المواد الثقافية تبث أفكاراً ذات تأثير مباشر أو غير مباشر على هوية المراهق وانتمائه وقيمه الدينية ، ثم أن هناك احتمالات شعور المراهق بالعجز والإحباط والدونية إزاء ما يراه من مظاهر التفوق الباهر في المجتمعات المتقدمة. وهنا يقع على الدراما التليفزيونية مسئولية عرض وتدعيم القيم الإيجابية للمراهقين وفي نفس الوقت يقع عليها مسئولية التخلص من القيم السلبية وذلك لأن المراهقين هم أول من يستجيبون إلى عملية التعديل القيمي وهذا لن يتأتى ولن يتم بنجاح إلا إذا تعرفنا على طبيعة مرحلة المراهقة والخصائص المميزة وكذا التعرف على دور ومؤسسات التنشئة الاجتماعية في التطبيع القيمي للمراهقين. وهو ما نتناوله في الفصل القادم .
الثلاثاء مارس 12, 2019 11:00 am من طرف مراد
» مواد بناء وتشطيب من مصانع الصين لبيتك 008615011961687
الإثنين أغسطس 22, 2016 2:27 pm من طرف دليل الصين
» مواد بناء وتشطيب من مصانع الصين لبيتك 008615011961687
الإثنين أغسطس 22, 2016 2:26 pm من طرف دليل الصين
» أنواع الصحف الحائطية
السبت ديسمبر 12, 2015 9:47 pm من طرف على فتحى
» كيفية عمل صحيفة الحائط
السبت ديسمبر 12, 2015 9:44 pm من طرف على فتحى
» أنواع الصحف المدرسية
السبت ديسمبر 12, 2015 9:41 pm من طرف على فتحى
» كيفية إعداد صحيفة حائط متميزة
السبت ديسمبر 12, 2015 9:29 pm من طرف على فتحى
» نموذج اختبار كادر المعلم ( اعلام تربوى )
السبت ديسمبر 12, 2015 9:21 pm من طرف على فتحى
» الإعلام التربوي
السبت ديسمبر 12, 2015 9:18 pm من طرف على فتحى