التليفـزيون بين الإيجابيات والسلبيات في عصر الفضائيات
التليفـزيون بين الإيجابيات والسلبيات في عصر الفضائيات
دكتور / ياسر غياتي
كلية المعلمين / درنة / جامعة عمر المختار .
بدأت أوقات الفراغ تمثل مشكلة كبيرة للآباء والأمهات بعد انتهاء العام الدراسي ، وقد نبهنا لذلك الرسول صلى الله عليه وسلم في حديثه: " نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ " ومن أهم وأخطر وأكثر وسائل الإعلام شغلاً لوقت الفراغ التليفزيون وخاصة للأطفال.
والتليفزيون أداة يجب علينا أن نحسن استخدامها ونعالج العيوب التي تظهر من خلاله كلما أمكن لنحقق الفائدة الممكنة منه،فلا التأييد المطلق ولا الرفض المطلق،وإنما يجب أن يكون هناك معايير ثابتة يتم الاتفاق عليها،ويتم مراجعتها بصورة مستمرة،للحكم على ما يقدمه التليفزيون،وهذه المعايير تعتمد أساسا على هوية المجتمع ؛ وتتفق مع المبادئ الدينية السائـدة فيه،وتحترم تاريخه،وتنشر لغته،ولا تخالف عاداته وتقاليده،وتساعد في تحقيق أهدافه،وما يوافق هذه المعايير يتم قبوله،وما يخالفها يرفض.
يمكن للتليفزيون أن يساهم في إشباع حاجات الأطفال بشكل مباشر أو غير مباشر، وذلك من خلال ما يقدمه للطفل من برامج تترجم هذه الحاجات عبر مخرجاتها،فيمكن إشباع الحاجة إلى الأمن والطمأنينة والحب عن طريق الدراما والحواديت والبرامج التي تؤكد على ضرورة تبادل الحب بين أفراد الأسرة،وبين الأطفال والآباء،كما يساهم في التأكيد على الحاجة إلى الرعاية الوالدية والتوجيه وتقبل السلطة وتعلم المعايير السلوكية عن طريق التوضيح للطفل أن والديه يسرهما وجوده وهما حريصان على رعايته وحبه والاهتمام به،كما أن الطفل يتعلم أنه في حاجة لوالديه ليتعلم القواعد العامة المنظمة لسلوكه،ويعرف حقوقه وواجباته،والمسموح والممنوع.
كما أن التليفزيون يساهم في زيادة كم المعرفة لدى الأطفال،ويتوقف ذلك على مدى مناسبة ومعقولية المضمون المُقدم،والوضوح في عرض هذا المضمون،ومدى القدرات التي يتمتع بها الطفل،واهتمامه بتلقي العلم،والجهد المبذول في سبيل ذلك من الطفل،والقائمين على البرامج،كما تؤكد دراسة أجريت على 734 من الأطفال أن التليفزيون استطاع أن يرفع مستوى المعرفة لديهم.
كما يصقل التليفزيون وجدان الطفل وأحاسيسه بما يغمره من جو الترفيه والتسلية والاستماع للموسيقى والإيقاع الجميل الذي يدرب الحواس منذ الصغر على الإصغاء والمتابعة والربط والتحليل،بالإضافة إلى تنمية الجانب الاجتماعي لدى الطفل بمشاركة الغير في تقييم أو التعليق على الأعمال المشاهدة.
ويساهم التليفزيون في إشباع حاجة الطفل إلى إرضاء الكبار والقبول الاجتماعي؛ عن طريق حث الطفل على ذلك ؛ كي يكسب حب وتقدير الجميع،وذلك من خلال برامج المسابقات التي تتيح فرص التفاعل، والتعاون،والمشاركة،وقبول المكسب والخسارة،كما يساهم في إشباع الحاجة إلى المعرفة وحب الاستطلاع والنجاح ؛ عن طريق حث الطفل ودفعه إلى البحث والتقصي،والممارسة،وتنمية التفكير وروح الابتكار لدى الطفـل ؛ حتى يتسنى تنمية السلوك الإبداعي لديه .
كما يزود التليفزيون الطفل بالخبرات والمهارات اللازمة لاتباع العادات الصحية في كافة نواحي سلوكه اليومي،و يثير الخيال بما يفتحه أمام الطفل من آفاق خارجية،تنقله خارج البيت، والمدرسة، بل والعالم، من خلال ما يقدمه من صور، ورسوم، وموسيقى، وتمثيليـات، وألوان زاهيـة وجذابة، ويمد الطفل بالقيم المعرفية، والسلوكية؛ من خلال وظائف التوجيه، والتثقيف، والتعليم، والترفيه.
ويساهم التليفزيون في إشباع الحاجة إلى اللعب من خلال مشاركة الأطفال في المسابقات والألعاب بحيث يكون اللعب نشاطا إيجابيا فعالا،ينمي إمكانيات الأطفال وطاقاتهم،ومن خلال حث الأطفال على مشاركة زملائهم اللعب في المدرسة والنادي والحي مؤكدا قيمة المنافسة الشريفة وقبول الآخر، مع التأكيد على حق الطفل في الاستقلال ومنا قشة حاضره ومستقبله بتوجيه ورعاية من والديه.
ومما يساعد التليفزيون على القيام بهذه الأدوار تميزه بمجموعة من الخصائص هي :
1 – يسهل للأطفال قضاء وقت الفراغ دون عناء أو تكلفة .
2- الحرية في اختيار القنوات والبرامج،خاصة بعد ثورة الاتصالات وكثرة عدد القنوات.
3- فاعلية الخبرة المربية لخلوها من الضغوط المعطلة للنمو والتعلم،فلا يوجد إرغام للطفل،بل هو الذي يسعى للمشاهدة بكامل إرادته،لا يخشى شيئا.
4 – فهم الأطفال الصغار لمضمون ما يقدم دون الحاجة لتعلم القراءة والكتابة،خاصة بالنسبة لأطفال ما قبل المدرسة .
5 – توحيد مصدر التعليم لكل الأطفال،وهذه من أخطر خصائص التليفزيون،فكل الأطفال يتعلمون من مصدر واحد،وبالتالي يصبحون نموذجا واحدا أو متشابها لدرجة كبيرة مع النموذج الذي يتعلمونه،ونلاحظ ذلك في تكوين اتجاهات معينة نحو أو ضد موضوع ما بتكثيف البرامج حول هذا الموضوع و إظهار إيجابيات أو سلبيات الموضوع حسب الرغبة .
6 – ينقل المدرسة إلى البيت بدلا من انتقال الأطفال إليها.
بالإضافة إلى إمكانية الاتصال والمشاركة في البرامج والمسابقات من خلال الاتصالات التليفونية أو الإنترنت،أو تصوير البرامج من المدارس،ودور الحضانة مما يعزز التواصل بين التليفزيون والأطفال .
وهناك بعض الآثار السلبية لاستخدام التليفزيون تتمثل فيما يلي :
الجانب الجسمي والعقلي :
يؤثر جلوس الأطفال أمام التليفزيون لساعات طويلة على صحتهم البدنية ؛ بسبب عدم الحركة،فهو يؤدي إلى الكسل والخمول وعدم ممارسة الرياضة،كما يؤثر على صحتهم العقلية من خلال التأثير على حواسهم السمعية والبصرية،بالإضافة إلى أن بعض ما يشاهده الأطفال قد يسبب الأرق والقلق،وذلك رغم أن الدعوة للتفكير وممارسة الرياضة قد تأتي من التليفزيون،إلا أنه قد لا يتيح الفرصة لذلك.
الجانب الاجتماعي :
يتسبب التليفزيون في عدم ممارسة الهوايات المختلفة،بل ويمنع التفاعل داخل الأسرة أثناء المشاهدة ؛ فكل فرد ينشغل بالشاشة ولا يشعر بمن حوله،كما أنه يؤكد صفة السلبية،والكسل،واللامبالاة بقيمة الوقت وأهميته،وقد يتسبب في الشرود الذهني،أو اضطراب أوقات النوم،كما أن مشاهدة الطفل للتمثيليات والمسرحيات الهابطة يؤدى به إلى المحاكاة والتقليد ومن ثم التحلل من القيم الإيجابية،واستخدام ألفاظ غير لائقة قد تؤثر في لغته العربية ومفرداته اللغوية،وذلك لأن عقول الأطفال وإمكاناتهم الفكرية محدودة،وشديدة الحساسية،ولديهم استعداد للتأثر بما يشاهدون،ويسمعون،وتقليده.
ونتيجة لغياب منظومة قيمية واضحة ومحددة لبرامج التليفزيون يظهر التناقض في القيم بين البرامج،وربما في نفس البرنامج،أو مع قيم تبثها الأسرة والمدرسة، فهو يعكس قيم المجتمع الرفيعة والهابطة مما يسبب تشتت الطفل فلا يعرف أي القيم يسير عليها ؛ فيغترب عن مجتمعه.
الجانب النفسي :
أكد الباحثون دور التليفزيون في انحراف الأحداث وجنوحهم بسبب تقليدهم لما يرونه من أفلام العنف،والجريمة،والجنس على شاشات التليفزيون،وخاصة أن الأطفال في سن مبكرة لديهم القدرة على تقليد الأبطال في الروايات،والتعاطف مع شخصياتها،ويشعر الطفل بالفزع من الظلام،والوحدة،والنهايات التعيسة،والأحكام الظالمة،مما يسبب القلق،والأحلام المخيفة،والنوم المتقطع،ولا يقلل ذلك سوى الدفء العائلي،ومنع الطفل من مشاهدة هذه المناظر،رغم صعوبة تحقيق ذلك.
الجانب التربوي :
إذا كانت التربية تعنى بعملية التشكيل الإنساني للوليد البشري فإن هذه الوظيفة التربوية للتليفزيون تستند على أساس أن السلوك الإنساني سلوك مكتسب،يتعلمه الأفراد من خلال التفاعل والاحتكاك فيما بينهم،وفي كل مجتمع نجد عمليات مختلفة للتدريب والتطبيع تُكسب الفرد الأفـكار والقيم والمعايير بل والانفعالات المناسبة،فهي ليست فطرية، إلا أن التليفزيون يروج لشكل من أشكال التربية التي تلحق ضررا بدور المؤسسات التربوية،فهو ينحو بالطفل نحو الانفعال واتخاذ القرارات غير العقلانية،على نحو ما يرد في البرامج من انحراف خلقي،وهبوط في الذوق،وإسراف في المظاهر الاستهلاكية،على حساب الجوهر،والقيم الخلقية .
ويعد التليفزيون من أخطر مصادر الإعلام الموجهة للطفل في العصر الحاضر ؛ لما له من جاذبية خاصـة للأطفـال،ومن الطبيعي أن يترتب على هذه الجاذبية أثر واضح على شخصية الطفل،وهو التغير الذي يطرأ على سلوك الطفل المشاهد للتليفزيون،وهذا الأثر،أو التغير،هو ثمرة التفاعل الواقعي الحيوي بين خصائص التلفزيون،وخصائص مشاهديه ؛ فأثر التليفزيون على الطفل هو محصلة القوى التي أثرت عليه قبل مشاهدة البرامج التلفزيونية،ولا تزال تؤثر فيه عند المشاهدة وبعدها،لذلك يجب أن يتوقع الآباء اختلاف أثر أي برنامج يعرضه التليفزيون باختلاف الأطفال الذين يشاهدونه، ويشبع التليفزيون الرغبة في الوقوف على مجريات الأمور، والتغلغل إلى ما وراء الأحداث،ومعرفة الكثير عن العالم،وعادات الشعوب،فهو من الناحية العاطفية يجذب الأطفال إليه بأساليب متعددة ؛ فتارة يقدم الأمان والطمأنينة من خلال إطار أليف من البرامج،وتارة يقدم التغيير،والترقب،والإثارة،وتارة يعد منفذا للهرب من المشاغل اليومية،بفنه الساحر، وبقصصه الخيالية التي تتيح للطفل أن يطابق نفسه بالأبطال الذين يحبهم فتحدث الألفة والمودة بينهم وينتظرهم في أوقات محددة يحرص عليها.
وختاما نؤكد أن مزايا التليفزيون التي تشبع حاجات الطفل والتي تجعلنا نؤيده،والعيوب التي تجعلنا نعارضه،نقف موقفا وسطا ؛ فالتليفزيون أداة يجب علينا أن نحسن استخدامها ونعالج العيوب التي تظهر كلما أمكن لنحقق الفائدة الممكنة منه،فلا التأييد المطلق ولا الرفض المطلق،وإنما يجب أن يكون هناك معايير ثابتة يتم الاتفاق عليها،ويتم مراجعتها بصورة مستمرة،للحكم على ما يقدمه التليفزيون،وهذه المعايير تعتمد أساسا على هوية المجتمع ؛ وتتفق مع المبادئ الدينية السائـدة فيه،وتحترم تاريخه،وتنشر لغته،ولا تخالف عاداته وتقاليده،وتساعد في تحقيق أهدافه،وما يوافق هذه المعايير يتم قبوله،وما يخالفها يرفض.
كتبها dryaser في 2008-09-07
الثلاثاء مارس 12, 2019 11:00 am من طرف مراد
» مواد بناء وتشطيب من مصانع الصين لبيتك 008615011961687
الإثنين أغسطس 22, 2016 2:27 pm من طرف دليل الصين
» مواد بناء وتشطيب من مصانع الصين لبيتك 008615011961687
الإثنين أغسطس 22, 2016 2:26 pm من طرف دليل الصين
» أنواع الصحف الحائطية
السبت ديسمبر 12, 2015 9:47 pm من طرف على فتحى
» كيفية عمل صحيفة الحائط
السبت ديسمبر 12, 2015 9:44 pm من طرف على فتحى
» أنواع الصحف المدرسية
السبت ديسمبر 12, 2015 9:41 pm من طرف على فتحى
» كيفية إعداد صحيفة حائط متميزة
السبت ديسمبر 12, 2015 9:29 pm من طرف على فتحى
» نموذج اختبار كادر المعلم ( اعلام تربوى )
السبت ديسمبر 12, 2015 9:21 pm من طرف على فتحى
» الإعلام التربوي
السبت ديسمبر 12, 2015 9:18 pm من طرف على فتحى